د. رحيل محمد غرايبة
أعتقد ويعتقد كثير من الأردنيين أن عتبة المستقبل تمر من خلال نجاح الحكومة في
امتحان قضية الفساد الضخمة التي عرفت بقضية «الدّخان « التي شكلت صدمة مروّعة للشعب الأردني لم تصل اليها قضية فساد أخرى سابقة منذ تأسيس الدولة الأردنية، والأمر الذي جاء قدرا مدهشا أنها تفجرت مع الأيام الأولى من تشكيل الحكومة الجديدة، بحيث أصبحت معياراً مهما من معايير نجاح الحكومة ومقياساً شعبياً عاماً للحكم من خلاله على قدرة الحكومة الجديدة على معالجة الظروف الصعبة والاستثنائية التي تمر بها الدولة، ولذلك ( لا سمح الله ) فيما لو تم لفلفة القضية ونجحت محاولات دفنها فسوف يشكل ذلك عودة الأردنيين إلى قعر الاحباط من جديد وسوف يغرق في مستنقع اليأس القاتل مما يزيد من منسوب القلق المشوب بالخوف من المجهول.
على الحكومة أن لا تتغافل لحظة عن تحويل شعار (كسر ظهر الفساد ) الذي تم اعلانه إلى برنامج عملي واضح الخطوات وقابل للتنفيذ الحاسم الذي لايقبل المساومة أو الجدل أو التراجع خطوة للوراء، وينبغي أن يتم مصارحة الشعب الأردني ومكاشفته بحيثيات القضية، ونشر المعلومات أولاً بأول، ومتابعة الجهد الإعلامي الذي رافق اللحظات الأولى لتفجير القضية، وتصريح السيدة وزيرة الدولة لشؤون الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة أنه من حق الشعب الأردني أن يعرف الحقيقة، ومن حق وسائل الإعلام أن تنشر وتتابع وتسأل عن أدق التفاصيل.
التراجع خطوة إلى الخلف في مسارات هذه القضية الكبيرة يعني الشيء الكثير، وسوف يؤدي إلى اصابة الشعب الأردني بنكسة شديدة ينعكس أثرها على سمعة الحكومة وشعبية رئيسها لامحالة، مهما كانت المحاولات الأخرى في المجالات الأخرى، لأنها ستكون بلا قيمة إذا برزت معالم الفشل في ملاحقة هذه القضية المشينة، وملاحقة ابطالها وشخوصها مهما كانت مواقعهم، لأنهم أقل أهمية من الدولة ومصيرها ومستقبلها الذي أصبح على المحك.
أعتقد جازماً أن نجاح الحكومة في هذه القضية الخطيرة سوف يجعل من رئيسها بطلاً وطنياً، وسوف يمنحه الأرضية الصلبة نحو الانطلاق إلى المستقبل ونحو النجاح في معالجة القضايا الأكثر خطورة والأكثر تأثيراً في مستقبل الدولة خلال المرحلة القادمة الحاسمة التي يعاد فيها تشكيل المنطقة برمتها وإعادة رسم الإقليم الجديد.
يدرك الأردنيون بعمق أن مشكلتنا الكبرى تتلخص بعدم القدرة على مواجهة الفساد، والعجز المتراكم أمام تغول حفنة من الفاسدين الذين أمعنوا بالسطو على مقدرات الدولة وهدر المال العام فضلاً عن العجز في احداث النهضة وشق طريق الاستثمار الناجح والتنمية الشاملة على كل الأصعدة، ويدرك الأردنيون بكل تصميم أنه لا مجال لتحقيق أي خطوة من خطوات النجاح في ظل وجود الفاسدين الذين يسرحون ويمرحون دون محاسبة ودون عقاب رادع.
الأردنيون يعطون المهلة بصبر وأناة لدولة الرئيس وحكومته وهم بحاجة إلى طمأنة من خلال اطلاعهم على تطورات عملية الملاحقة، وعلى الاجراءات الحازمة التي ترد اليهم بعض الأمل المفقود.