موسى الصبيحي
قال الله تعالى »فأما الزبد فيذهبُ جُفاءً وأما ما ينفع الناسَ فيمكثُ في الأرض..«' وما أكثر الزبد هذه الأيام، وما أقل ما ينفع الناس والأوطان، ولقد طهق الناس من كثرة الزبد، ولو اقتصر الأمر على الزبد لكان أهون، ولكن ضربت معاولُ الفساد في عَضُد البلاد، وليس الفساد المالي وحده ما أقصد، ولكنّ أنماط الفساد الطاغية وأشكاله السارية تعدّت المال إلى الإدارة العامة والأخلاق العامة والقيم العامة والمنصب العام، وأصبح الحال لا يرضي أحداً ولا يشدّ عضُدا، ولم تقف الأمور عند هذا الحدّ بل
وصلت إلى حدّ البلوغ الهزلي لمواقع القرار وما أنتج من نهج تراجعي ساده هرج ومرج ودمار، فمال الناسُ من غير ميل، وخوت الخزينة من غير نيْل..!! الناس في قلق على المستقبل القريب قبل البعيد، وهم ينظرون إلى أمواج بشرية جديدة تُزاحِمهم شوارعَهم ومدارسَهم ومستشفياتِهم وتُقاسِمَهم ماءهم وطعامَهم وكساءَهم وبيوتَهم، وفوق هذا ينظرون إلى سُلطات حائرة خائرة، سائرة بهم إلى مجهول، وينظرون حراكات شعبية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، تنادي بالإصلاح وتصويب المسيرة ولا أحد يسمعها أو يحاورها أو يحاول فهم بيانها، وينظرون إلى مؤسسات الدولة وهي تئن تحت وقع سياط قرارات الحكومة واجتهادات المسؤولين، وتتزاحم الأفكار والرؤى دون أن يلتقي أي منها أو من أصحابها على قاسم مشترك هو الوطن..!! أما معيشة الناس ففي غلبة وجلبة ونَصَب ومصيبة، وثمّة منْ أصبحوا يحاكون أنفسهم من شدّة الذهول، وغلبة الدين، وقهر الرجال، فيما يتزايد الفقراء، وتنسحق الطبقة الوسطى، ويُغالب الجوعى موتاً بطيئاً.. وتقرأ على جباههم ووجوههم ألماً مُمضّا..!! جلالة الملك.. لا الجوع ولا الحرمان هو فقط ما يقهر الناس.. ما يقهرهم أكثر هو هذا الزبد الطافي على سطح الوطن، يفترش السُلطات والمواقع والهيئات، والذي أحال حياة.
الأردنيين إلى جحيم، وفوضى وعذاب، أما الأسئلة فكثيرة تملأ الصفحات ولكن لا إجابات، ومنْ لا يجد يبقى في حيرة وشك واضطراب، ويظل الشعور بالغبن والقهر يلازمه على مدار الساعة، وإلى قيام الساعة، وإذا كان جلالتكم منْ يُعيّن المسؤولين ويقيلهم ناظراً إلى مصالح الشعب والوطن، فإن منهم، أي المسؤولين، منْ لا يأبه بنظرة المصلحة العامة، ويُغلّب مصالحه الشخصية، ومنهم منْ لا يتورّع عن التجارة والنزول إلى السوق، لا بالحكمة وإنما بالسلطة والسطوة وعصا الوزارة، فتغلبه الشهوة والمصلحة والهوى، وينسى القَسَم العظيم بين يدي جلالتكم.. فيزداد الناس
أرَقاً وقلقاً ونزَقاً..!! جلالة الملك.. لا أحتاج أن أقول بأنني أحبك وأحب ملوك الهاشميين، وحين كان يدور حديث صداقة عن الهاشميين، كنت أقول بأن البذرة الطيبة هي ضمانة دائمة للإصلاح ولن يقبل ملك هاشمي بغير الإصلاح مهما طغى من فساد بما عملت أيدي الناس، وما اجترحته اجتهادات مسؤول وفساد حكومة، ولن يتوانى ملك هاشمي عن رفع مصدّاته أمام رياح الفساد والمفسدين، ورفع العنت وإعادة القيمة. أما حديثي اليوم أمام الناس وجلالتكم، فهو نابع من حرقة على الوطن وحال الناس، وإذا نظرت إلى حال مؤسساتنا الوطنية وسلطاتنا تزداد حرقة وألماً.. وليس من العدالة.
أن نقارن أنفسنا وبلدنا بغيرنا لنخاف، أو نتراجع عن الإصلاح ونعاف..!! من هنا فإنني أرى أن الأوضاع تحتاج إلى إجراء سريع مُمنهج ومُقنع ومانع، وأقترح، وهو ما كنت اقترحته غير مرة، أن يدعو الملك إلى حوار وطني جامع، تشارك فيه كل الأطراف والأطياف، وعلى رأسها ممثلو الحراكات الشعبية، والأحزاب السياسية، والمؤسسات المدنية، وأهل الفكر والثقافة ورجالات الإعلام والصحافة، ليتحاور الجميع على مائدة الملك وبسقف عال من الصراحة، والوضوح والحصافة، في كل الموضوعات والمشكلات والتحديات، وأن يكون ديدن الجميع مستقبل الأردن ومصالح الوطن، وأهم ما في الفكرة وأساسها وضمانة نجاحها أن يكون الحوار بقيادة الملك وإدارته وحضوره، والهدف أن نتوصل إلى أجندة لأولوياتنا وقضايانا وتطلعاتنا، وأن نبدأ بإزالة الزبد فوراً، ونعزز كل التوجهات والبرامج التي تنفع الناس، وترفع العنت، وتضيء المسالك والمدارج. دعونا نبدأ، فوالله إن الحيرة والقلق، والذهول والأرق، والتعصب والنزق بات ملحوظاً على الجميع أطفالاً وشباباً، رجالاً ونساءً وشيوخاً.. وإن شدّة هذا كله بات يسحب من الكرامة الشخصية لكل مواطن.. ولا نريد أن يصحو الناس يوماً وقد استنفدوا رصيد حساباتهم، فهي الطامّة العامّة الغامّة، وما منها رافعة أو لامّة..!! شرح صور جلالة الملك عبدالله