ناديا هاشم / العالول كلنا ندرك الفرق بين السّكينة والاسْتكانة فالأولى تعني الطمأنينة النفسية والهدوء الداخلي بينما الاستكانة تعني الخضوع والخوف والمسْكَنَة..الخ ناهيك عن استكانة الشاي بكوبها الصغير الأنيق المُنَمْنَم الذي يضفي علينا سكينة مؤقتة بعد تناوله .. لطالما يعِد رب العالمين بكتابه الكريم رسولَه والمؤمنين بتنزيل الّسكينة على قلوبهم وهي أقصى أنواع الطمأنينة الشافية للقلب والروح والعقل والوجدان .. متمثلة بحالة هدوء بال مستدامة تضمن لصاحبها نعيما نفسيا وسعادة طالما حاولت الإنسانية قرع أبوابها وسبر أغوارها ، دون العثور حقيقة على مفاتيح بواباتها المغلقة بسبب ربطنا السعادة بامتلاك المال.. أو الجاه .. او الشهرة ..الخ غير مدركين بأن السعادة تنبثق عن قناعات داخلية تتراكم إيجابا عند الإنسان لتزيد من نسبة سعادته ، أو تتراكم سلبا فيحدث العكس تماما.. فلنتقبلْ حقيقة أنّ بعض الأشياء لن تكون لنا مع تعلمنا تقدير الأشياء الفريدة التي نملكها وحدنا "فالسعادة قناعة" !آخذين بعين الاعتبار العوامل المحفّزة للسعادة من وظيفة واستقرار مالي وحياة عائلية مستقرة ، كلها مسببات أساسية تدعم السعادة ، بشرط تضمينها أمانة القول والفعل والسلوك بمواقفنا كافة لوضعنا على الدرب الصحيح درب السّكينة والاطمئنان وهدوء البال! درب السكينة الرافضة للاستكانة .. هذه الاستكانة المغيّبة لشعورنا بالرضا عن النفس .. فالاستكانة شعور داخلي مقلق مضمّخ بذلّ النقْص المكبِّل للروح مانعا إياها من التحليق عاليا معرقلا لعروجها نحو الوعي والاستنارة ولهذا تهيم الأرواح بدهاليز العتمة دون ان تعرف هدوءا او استقرارا ! كيف والروح العطشى تظل بحالة بحث عن نبع صاف تغذي الثُقب الهائل المتفاقم بداخلها متنقلة برحلة مكوكية بين ضنَك مستمر يشقيها وغليان دائم يضنيها! وشتّان ما بين الحياة الطّيبة والحياة الضنكى! فالانسان مفطور على حب الحياة الطيّبة براحتها النفسية وهدوئها الداخلي وتيسيرها وسلاستها بعكس الحياة الضنكى بذلِّها وقهرها وتعسيرها وانقباض النفس والمشاعر والغيرة والحقد فهي عناصر بمحصّلة تقهر صاحبها قبل أن تقهر الآخرين .. محذرين من مغبة الذكريات المؤلمة فهي إهدار للسعادة. . فلندعها وراءنا كي ننساها .. حتما سيعلق البعض : ولكن كيف يتسنّى لنا الخروج من هذا الشقاء النفسي والشفاء من آلام حياة تجبر معظمنا على دخول صراعات لا تنتهي، صراعات من أجل النجاح والبقاء والاختيارات الأنسب والنجاة من الندم؟ ونحن نجيب : بأن هذا صحيح ولكي نحصل على السعادة فلنحاول تجنب الشعور بالذنب وذلك بتجنبنا الآثار المدمرة للشّهوات ، مما يضمن لنا الولوج بمرحلة من السلام التّام، بنفحاته المتواصلة من النعيم النفسي .. النيرفانا.. و هذا لا يعني بأننا نناشد الجميع مثلا بشّد الرِّحال للهملايا والتبت لممارسة يوغا الروح كما يفعل البعض لتصفية نفوسهم من الشوائب والولوج الى واحة النيرفانا .. الى مرحلة الخلاص ! وهذا لا يعني بأننا لسنا مع حوار الثقافات ولكن لماذا كل هذه المسافات والنفقات ونحن نملك بديننا الحنيف واحات عدة من النّيرفانا – السّكينة- فلو قمنا بتأدية عباداتنا بشكلها ومضمونها على الوجه الصحيح لوصلنا الى مرحلة "النيرفانا" عبر صلاتنا وصيامنا وحجّنا .. الخ فلو فعلنا ذلك لتخلّصنا من ضنك الحياة عبر صدْق عباداتنا وسلوكياتنا وافعالنا ومواقفنا ،علما بأن سكينة الإسلام تلتقي ببوذية وهندوسية "النيرفانا ".. فضنك –شقاء-الحياة ممكن تجاوزه بالصلاح والتقوى و بآرائنا السديدة وفهمنا السليم وبإيماننا بأن الصعوبات تصقل جوهرنا بدلا من ان تعتمه .. لكن الإختلاف بين "سكينتنا" و "نيرفانتهم" يكمن بإيمانهم بتناسخ الأرواح ، فالروح عندهم تعيش حيوات عدة متخبطة كالمتخبِّط بنهرسريع الجريان بشلالات وجنادل فما يكاد يصل الى نهايته حتى يُعادَ عنوةّ الى النبع فيتلقفه النهر مرة اخرى باعادة ميلاده من جديد، ليتطهر بالنهاية من قيود الشهوات وهكذا تنطفئ جذوة الطمع والأنانية والجهل عنده ليصل أخيرا الى المصب ّ.. حيث يحطّ الرِّحال بنعيم النيرفانا ! ونحن .. لو تجاوزنا سموم الجشع والطمع والحقد والغيرة والأنانية مصفّين نفوسنا من الأضغان غير مبالين بسفاسف الأمور، حينها فقط ستعلوا أرواحنا الصافية لتتوحد بالكون الأعلى والهمِّ الأكبر بوعيها المستنير الذي يحلّق بها بعيدا عن كل ما يعكّر صفو استنارتها وذلك عبر السبب الأول وهو الوعي، الذي يتشكل عندما تتشكل حواسُّ الإنسان، من سمع وبصر وتذوّق وغيرها، والتي يدرك بها العالم الماديّ، فمن خلال صقله القدرات الحسّية يحدث التواصل مع اللامحسوس.. بعده يأتي سبب آخر متعلق به، هو الإحساس ، بمشاعره المتولدة كنتيجة طبيعية لهذا التواصل.. وبَعْد المشاعر يأتي الشوق والحنين، حين نحِنُّ للمشاعر الجميلة، متطلعين للهروب من المشاعر السلبية.. فكلما تراكم وعينا بتطبيق علمنا على أفعالنا وسلوكياتنا ستتحقق القفزة النوعية التي سترفعنا نحو قمة الوعي -"الاستنارة"- بخلاصها بسّكينتها بهدوئها بطمانينتها بنيرفانتها .. بعيدا جدا عن ضنك الحياة وقهْر بني آدميها المتنقلين دوما بين قاهر ومقهور دون ان يرتقوا سنتمترا واحدا على سلَّم الاستنارة ! hashem.nadia@gmail
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات
أكتب تعليقا
رد على :
الرد على تعليق
تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن
الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين
التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد
علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.