ناديا هاشم العالول يقول المثل:» في العجلة الندامة وفي التأني السلامة».. فعلا فالعجلة هي وليدة التهوّر.. اما التأني فهو الحكمة بذاتها.. وطبعا إذا خُيِّرنا بين التهوّر والحكمة سنختار الحكمة تجنبا للمخاطر الناجمة عن التهوّر.. فالعجلة تؤدي حتما للندامة والتأنّي يوصل للسلامة وقيادة المركبات لهي اكبر دليل على ذلك.. فما احوجنا للحكمة بتأنّيها بعيد النظر والمطلوبة على الصعد كافة بما فيها سنّ القوانين وتعديلها لتتلاءم مع جذورنا الأصيلة وحداثتنا الجديدة وخصوصيتنا الأردنية، بشرط ان لا يكون تقدمنا على درب سنّ القوانين والتقدم بطيئا بطء السلحفاة أو سريعا كالبرق.. فالعدل والإعتدال والعدالة مطلوبة اثناء التشريع والتعديل وما قبلهما وبعدهما.. فكما أن السرعة لها حدودها القصوى، كذلك التأنّي له حدوده الدنيا، فالمتأنّون «اكثر من اللازم» بسرعتهم «الأقل من اللزوم « وعسكرتهم الدائمة بزاوية مكانك سر سيتخلفون خلف الآخرين من اصحاب السرعة المعتدلة المعقولة فما بال الآخرين من «الطايرين طير»! تداعت هذه الأفكار بالذهن في ندوة قانون الانتخاب التي اقامها أخيراً مركز القدس للدراسات السياسية حيث طُرِحَتْ اقتراحات وبدائل لقوانين ماضية وحاضرة ومستقبلية قد تيسِّر او تعسِّر تحقيق الهدف المطلوب الا وهو قيام حكومات برلمانية.. والملفت للنظر ان الآراء اتفقت مجمعة على الرغبة بالوصول لحكومات برلمانية مرتجاة والتي طالما تناولها جلالة الملك عبد الله الثاني بأوراقه النقاشية.. ويبرز التساؤل: كيف؟ ومتى واين؟ وما هي الوسيلة الفضلى الآمنة المناسبة لمفهوم الديمقراطية وللخصوصية الأردنية! إذْ لا يكفي الاعتماد على الحظ والصدفة معتمدين القول الماثور: «كل الطرق تؤدي الى روما».. لا فليست كل القوانين تؤدي الى الحكومات البرلمانية.. فهنالك قانون انتخاب يسرّع الوصول وآخر يبطّئه حتما فما بال الذي يمنعه منعا باتا؟ فالمفروض أن القوانين هي مصدر الحكمة وجوهر الديمقراطية وقمة الابداع مشكّلة مرجعية لأصحاب القرار، كما تبني جسور التفاهم بين الحكومة والشعب عبر علاقة تبادلية تنظم معايير الحق والواجب بينهما.. ناهيك عن ان القوانين هي الدالة على مستوى الديمقراطية السائدة في بلد ما.. فالقوانين التي تُسَن لها اثر كبير إذا ما أُحسِنَ تشريعها وتطبيقها حيث تعتبر مرحلة التشريع الاهم بلحظة طرْح المقترَح لمشروع القانون عبر ملاحظة العواقب التي يفرزها هذا القانون او ذاك سلبا او إيجابا.. فمثلا قانون الانتخاب ببساطة هو الذي يحدد بفعالية من سيتم انتخابه، عبر تحويل الأصوات الى مقاعد في الهيئات المنتخَبة.. علاوة على مستوى الثقافة الديمقراطية السائدة بين المواطنين.. وللأسف نجد احيانا أن قانون الانتخاب بنظامه الذي يثبت فشله لا يتزحزح من مكانه معسكرا بمكانه وإن تغير فإننا نراه يتغير بشكله دون جوهره.. كقانون «الصوت الواحد» الذي شق طريقه الى النور بعام 2003 ليحل بسرعة البرق محل «قانون الكتلة» وهات بعدها زحْزِحْهُ من مكانه ! والدليل على صحة هذا التوجه هو أننا ما زلنا نترحّم على أداء مجلس نواب 1989 والذي جاء نتاج قانون إنتخاب» متعدد الأصوات»، فكان بإمكان «الناخب الواحد» إنتخاب «عدة نواب» في الدائرة «الواحدة» وفق «عدد « المقاعد المتاحة، حيث اعتمد قانون إنتخاب 1989 حينذاك على نظام تصويت «الكتلة «.. إذ ما كدنا نفرح بعودة الحياة الديمقراطية بعام 1989 لنصفق لمجلس النواب الذي افرزه «قانون الكتلة» حتى قفزنا عن المراحل قفزا بل حرقناها لنعود القهقرى عبر قانون الصوت الواحد والذي عسكر طويلا لربع قرن دونما «لحلحة « شاكرين على اخذ المرأة بعين الإعتبار، من خلال كوتا نسائية لإفساح المجال لها للدخول لمجلس النواب بعد ان وقف قانون الصوت الواحد حجر عثرة امام الرجل الكفؤ فما بال المرأة! حتى الكوتا النسائية التي أقِرَّت للمرة الأولى بتخصيص ستة مقاعد لها من اصل 110حصة عام 2003 ، تمت عرقلة ديمقراطيتها عبر الحسبة المئوية مما هّمش الدوائر الكبيرة بحينها، لترتفع حصة المراة بعد عشر سنوات لتصبح 15 مقعدا من اصل 150.. صحيح انه تمت إضافة صوت للقائمة وصوت للوطن الا ان الإفرازات هي نفسها واداء مجالس النواب المنتخبة متواضع من رقابة وتشريع فما بال التطلع للوصول لحكومات برلمانية؟ بالندوة تم طرح اقتراح إما العودة الى نظام الكتلة حزبية او وطنية وما بينهما على مراحل ريثما يصبح الوطن دائرة واحدة، تماشيا مع الأوضاع السائدة ودرجة نضوج الثقافة الديمقراطية... ولكن ما نخشاه ان نعسكر بالمرحلة الاولى مؤجلين تطبيقه للمستقبل القريب والبعيد وهكذا دواليْك.. محملين المواطنين وزر إفرازات المجالس المنتخبة وليس قانون الإنتخاب نفسه بنظامه الإنتخابي وكوتاته وآلياته، حتى وصلنا للوضع الحالي نتيجة التراكمات السلبية منذ بداية تطبيق قانون إنتخاب الصوت الواحد بعام 1993 ولغاية الآن.. والمطلوب الآن: إصلاح مضمون القانون وليس الشكل!
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات
أكتب تعليقا
رد على :
الرد على تعليق
تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن
الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين
التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد
علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.