ناديا هاشم / العالول ربما لم يسمع الكثيرون عن "صينية القَش " لتراجع تداولها قرويا ومدنيا مختفية بذلك عن مسرح الحياة العائلية ، فهي صينية مستديرة مصنوعة من القش قُطرها لا يتجاوز في أحسن الحالات مترا واحدا ولكنها تشكِّل جزءا من الفولكلور العربي عامة والفلسطيني بخاصة.. تُستعمَل هذه الصينية في صفِّ العجين عليها قبل خبزه وكذلك الخبز حالَما يخرج من الفُرْن-التنور- ساخنا وتُستخدم كقاعدة لصينية الطعام المعدنية المصنوعة عادة من الفولاذ أو الألمنيوم المملوءة بأرغفة المسخّن المحمّلة بالدجاج المشوي حيث رائحة البصل المشبَعة بالزيت والسمّاق تسبقها وهي محمولة على الرؤوس ، مبشّرة مستقبليها بأكلة مسخّن فلاّحية خارجة لتوها من الطابون .. وكثيرا ما كانت تُستخدَم كبديل عن مائدة صغيرة تجتمع حولها العائلة جلوسا على مفارش أرضية ليتناولوا طعامهم مباشرة من الأطباق المصفوفة عليها ، وكثيرا ما كانت تُصَف هدايا العروس بالقرى على صينية قش جديدة مزركشة بأحلى الألوان وتُرسل لبيتها الجديد ، علاوة على إستخدامها كنوع من الديكور بتعليقها على جدران المطبخ كقطعة فنية فولكلورية تنافس بألوانها الزاهية وبأصالتها اثمن التحف وأغلاها .. إنها " صينية القَش " المستديرة المتعددة الأغراض وهي نوع من التراث الذي أوشك على الإنقراض، ولطالما جسّدتْ تراثا فلسطينيا يتعرض لخطر النهب والسلب من قبل إحتلال اسرائيلي ما فتئ ينسب كل ما هو عربي فلسطيني له بما فيه الجَمَل والخيْمة والفلافل والحمص .. الخ بالمناسبة دخلَتْ قرية المغيّر بشرقي رام الله موسوعة جينيس بصينية قشِّها الضخمة البالغ قطرها خمسة أمتار ، وذلك بعد عامين من بدء العمل فيها .. ونحن نقول لهم : يعطيكم ألف عافية على هذا الإنجاز ! يتساءل البعض بقوله: هل اقتصر دخولنا لموسوعة جينيس عبر أكبر صينية قش وصينية كنافة، وأكبر كبْسة ،وأكبر منسف ، وأكبر رغيف مسخن، وأكبر صحن تبولة ؟ فنحن أمّة تفكر وتبدع إلى جانب الأكل والشرب.. وكيف نفتخر ب"صينية القش" على انها إبداع وإنجاز ! ونحن نعلّق بدورنا: ولم لا ؟ فمرحى للمنجِزين العرب بغض النظر عن بساطة أو نوعية الإنجاز.. ولكن يا حبذا ترويج الإنجازات الأُخرى وتسويقها بظل هجمة شرسة تستهدف إنجازاتنا العلمية والأدبية .. الخ .. القديمة والحديثة منها .. فنحن لا نهدر أوقاتنا وطاقاتنا لإنتاج أكبر قرص فلافل او اكبر صحن تبولة او اكبر صينية قشّ والدخول بها الى موسوعة غينس ..على الاطلاق لا ..فكلٌ وتخصصه.. وكل ومجاله.. مهما بسُطَ او تعقّد ! فالفوز برقم قياسي بموسوعة غينس هو بمثابة تحفيز على العمل والمنافسة الإيجابية .. ولهذا .. ما أحوجنا الى تخليد جماليات تراثنا لمواجهة كل معتد اثيم يريد ان يقلبه رأسا على عقب محوّلا بعضه الى سلبيات ، ناسبا جمالياته بكل بوقاحة إليه بفولكلوره الفني والإبداعي وحتى الغذائي بما فيها الفلافل والحمص ..الخ ولا غضاضة من دخولنا نحن العرب بموسوعة جينيس عبر هذه التنافسيات الخفيفة والظريفة كشعوب الأرض قاطبة ..ولكن بشرط الا يتقوقع انتاجنا وابداعنا في هذه المجالات ، إذْ يجب المنافسة على الصعد العلمية والعملية .. فكم سمعنا عن مخترعين ومخترعات عرب قديما وحديثا ، فالأسماء القديمة بحاجة إلى انعاش، والجديدة بحاجة الى تسويق في ظل هذا الزحف العدواني لتدمير البنية التحتية لبعض البلاد العربية عبر جرّافة التدمير الماضية بطحن بنيتنا الثقافية وإنجازاتنا العلمية والأدبية القديمة مع التعتيم على الحديثة .. وطبعا الشمس لا يمكن ان تتغطى بغربال ! فلنتحتذِ بالأسماء القديمة منها مثل ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﺼﺎﻏﺎﻧﻲ مخترع ﺟﻬﺎﺯ ﺍﻻﺳﻄﺮﻻﺏ ..وابن ﺳﻴﻨﺎ ﻣﺨﺘﺮﻉ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺍﺳﺘﺨﻼﺹ ﺍﻟﻌﻄﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻫﻮﺭ ﺑﺎﻟﺘﻘﻄﻴﺮ ..والخوارزمي المشهور بجداول لوغريتماته ، وابن حزم الذي اكتشف بأن الأرض كوكب يدور قبل غاليلي ب 500 عام، وعباس بن فرناس الذي اول من طار ناهيك عن أن العرب اول من اخترعوا الحياكة والسجاد وهم من اخترعوا البوصلة ،.. الخ فلنتابع انجازات المخترعين والعلماء بالعصر الحديث أمثال أحمد زويل مخترع الفيمتو ثانية والحائز على جائزة نوبل للسلام ، إضافة الى فاروق الباز ومصطفى شاهين ومها عاشور وشاديه حبال وشارل عشّي من العلماء العرب الذين أثْرو وأثّروا ب "ناسا".. ويكفي ان ليلى عبد المنعم لها 100 اختراع لم تسجل براءتها ايُّ بلد عربي.. ونذكر من الأردن الدكتور الأردني عمر ياغي المتخصص بالكيمياء والمرشح لجائزة نوبل، ودكتور الرياضيات شاهر المومني ، والدكتور برهم ابو دية بروفسور مساعد بمايو كلينيك ومنير نايفة وغيرهم ممن كرّمهم جلالة الملك مؤخرا .. فلنتابع هذه المجموعات لتكريمها عبر الإستفادة من انجازاتها بتسهيل مهماتها في بلادنا على المستويات كافة، وتخليدهم بموسوعات اليكترونية وغيرها يتم تداولها لتعكس ابداع الأمة حاليا ومستقبليا ، فيفهم الآخرون بأننا أمّة تفكر وتنجز وليست جماعات مقتتلة متقاتلة –يا حسْرة - تكرّسُ وقتها وجهدها لإحياء أمجاد داحس والغبراء ..
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات
أكتب تعليقا
رد على :
الرد على تعليق
تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن
الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين
التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد
علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.