د. رحيل محمد غرايبة
نحن نعيش أجواء انتخابات نقابية ساخنة على مستوى الوطن، و ربما تكون انتخابات نقابة المهندسين هي الأكثر سخونة و الأعظم حراكا و حوارا و جدالا في أغلب محافظات المملكة، و في الوقت نفسه هناك اعداد يجري على مستوى المهندسين الزراعيين، و كذلك نقابة المقاولين، و يحتدم الصراع بين المرشحين الموزعين على عدة قوائم و عدة اتجاهات، تأخذ أبعادا سياسية و اقتصادية و مهنية بتفاوت مختلف و متباين بين الأجسام النقابية المتعددة.
و في هذا المقام يحضرني مجموعة تساؤلات كبيرة، تحتاج الى اجابة وحوار واسع، و من الجيد أن تكون محورا للجدالات الدائرة بين النشطاء النقابيين، و في وسط الأجيال الجديدة على وجه الخصوص؛ لأنه من حقهم أن يطلعوا على الخطط و البرامج و التوجهات المطروحة من المرشحين، و من حقهم أن يسبروا غور هذه الطروحات ان وجدت ليقرأوا معالم مستقبلهم من خلالها، و يقرأوا مستقبل وطنهم و أمتهم، و ربما يكون المعني الأول بالاجابة اولئك الذين استأثروا بقيادة النقابة ردحا طويلا من الزمن قد يصل الى 25 سنة أو ثلاثين، و السؤال المطروح ببساطة ما هو نموذج النقابة الذي يراد ايجاده بعد هذه السنوات الطويلة، و ما الذي تم انجازه من هذا النموذج، و ماذا بقي لاتمامه خلال السنوات القليلة القادمة، و السؤال الاخر الأكثر أهمية يتعلق بدور النقابة المأمول على الصعيد الوطني، فجيش المهندسين يصل عدده الى ما يقارب 140 ألف مهندس، كلهم من ذوي الشهادات العلمية والعقول المتفوقة، فالنقابة التي تقود هذا الجيش الوطني الكبير ينبغي أن تسعى ليكون له بصمة واضحة و كبيرة في عملية البناء الوطني ومسيرة التنمية و في تخفيض كلفة الطاقة على المواطنين، فعندما نسمع أن فاتورة الطاقة تزيد في كل عام، بل في كل شهر، و تم زيادة 12 فلسا على كل كيلوواط قبل اسبوع، فهل من المعقول أننا لم نستطع أن نجعل من الطاقة الشمسية طاقة فرج للاردنيين؟، ما هي خطة النقابة الوطنية في تخفيف كلفة السكن على المواطنين؟، وهل استطاعوا ان يخفضوا الكلفة على الفقراء بحيث يستطيع كل مواطن ان يجد مسكنه الجميل المتواضع؟، هل اسهموا في تنظيف البيئة عبر ايجاد انماط جديدة من الصناعات؟، و هنا تستحضر تجربة ثلاثة مهندسين يابانيين استطاعوا أن يحدثوا ثورة عارمة في الحياة اليابانية عن طريق اختراع ماتور تويوتا، و كيف نقلوا تجربة صناعة ماتورات السيارات من ألمانيا، و هنا سؤال اخر كبير عن دور نقابة المهندسين الزراعيين بمستقبل الزراعة في الاردن التي تشهد تراجعا في نسبة الاسهام بالانتاج الوطني الكلي.
ليس المقصود حرفية السؤال، و انما المقصود احداث نمط جديد من التساؤلات الكبرى التي تتعلق بقيادة الأجسام النقابية تختلف عن مناكفات القوائم البيضاء و الخضراء، وضرورة الانتقال الى بناء حالات جديدة مختلفة عن كل أشكال العمل النقابي التقليدي السابق، و ضرورة الابتعاد عن لغة المناكفات و الشعارات و الاحتماء خلف الواجهات الحزبية و المقولات الايدولوجية المختلفة.
ان رجوع بعض النقابات الى البحث عن الشخصيات النقابية القديمة يمثل دلالة فشل واضح في صناعة قيادات جديدة و أنماط شبابية جديدة قادرة على الاضافة و صناعة ما هو جديد بعيدا عن مبدأ الاجترار و استنساخ الماضي، و هذا ليس تقليلا من جهد الشخصيات السابقة المحترمة و المقدرة، لكن بالنظر الى حجم النمو في الأعداد و الأجيال الجديدة يحتم على الموجودين صناعة شخصيات قيادة نقابية جديدة أكثر قدرة على استيعاب الظروف الجديدة والعلوم الجديدة والأساليب الجديدة، والأكثر قدرة على مخاطبة العالم المتجدد.
من المعلوم أيضا أن استمرار السيطرة على النقابة سنوات طويلة ممتدة ليس مكسبا معتبرا، المكسب الحقيقي يكمن في كيفية جعل الجسم النقابي أكثر قدرة على الأسهام في عملية التنمية الوطنية الكبرى و أكثر اسهاما في خدمة مجمل الشعب الأردني وحل مشكلات المجتمع الأردني في كل المجالات، وعلى مختلف المسارات