د.رحيل محمد غرايبه
ما زال وضع العالم العربي في التقرير السنوي لحقوق الإنسان يحتل مرتبة متاخرة في قائمة دول العالم ، ولم يطرأ أي تحسن يذكر على سجل حقوق الإنسان في معظم أقطاره، وجاء تقرير (2018) ليسجل مزيداً من الهبوط والتدهور، حيث لم تبذل الدول العربية جهوداً معتبرة في تحسين سجلها في هذا التقرير الذي يرصد أوضاع حقوق الإنسان في (90) بلداً على مدار العام، بينما سجلت بعض البلدان الأخرى في بعض أنحاء العالم تحسناً ملحوظاً في مقاومة الظلم ووقف القمع والتقدم نحو احترام الكينونة الإنسانية.
سجل التقرير أن (12) بلداً ينطبق عليه وصف "الأشد سوءاً" في موضوع حقوق الإنسان، وللأسف فإن هناك أربع دول عربية تحتل مواقعها في منطقة الأشد سوءاً على مستوى الكرة الأرضية، فهناك اعتقالات عشوائية ومحاكمات تعسفية وإدانات واسعة للمعارضين بلا تهم حقيقية، وإصدار أحكام قاسية تصل إلى حكم الإعدام بسبب انتقاد سياسات الأنظمة الحاكمة والمطالبة بإصلاحات سياسية وحقوقية، وقد سجل عام (2017) المنصرم انتهاكات مروعة بحق سجناء الرأي وممارسة التعذيب الوحشي للموقوفين والمعتقلين الذي يفظي إلى الموت والإخفاء القسري عن الحياة.
وبعض الدول العربية الكبيرة سجلت حضوراً لافتاً في السجل الأسود لحقوق الإنسان، حيث عمدت إلى إصدار التشريعات التي ترفض وجود المعارضة السياسية بشكل مطلق، وتمنع إنشاء الجمعيات المستقلة، وأعادت حالة الطوارىء بشكل دائم ومستمر تحت ستار مكافحة الإرهاب، حيث أنها تجرم التظاهر ضد سياسات النظام وتمنع النزول إلى الشوارع وكل وسائل التعبير عن الرأي، وتحول دون عقاب الذين يرتكبون الجرائم الوحشية بحق المدنيين، وتمارس حظر وسائل الإعلام عن القيام بدورها، وتمنع الاطلاع على الحقائق، وتضع مئات الأفراد على قوائم الإرهاب دون دلائل أو بينات، وتطيل أمد التوقيف في السجون التي لا تخضع للرقابة أو التفتيش، وتشهد حالات من الموت تحت وطأة التعذيب الوحشي، وقد سجلت بعض البلدان العربية إرسال ما يزيد عن (15,500) مدني إلى محاكم عسكرية بينهم أكثر من (150) طفلاً.
كما سجلت بعض الدول العربية سجلاً بالغ السوء في موضوع حقوق العمال، وإساءة معاملة المحتجزين بطريقة مخجلة، ويتم استغلال العمالة الوافدة استغلالاً بشعا و خطيراً، بعيداً عن أعين الرقابة واطلاع ممثلي المنظمات الحقوقية، ولا يتمتع الوافدون بأي حماية قانونية أو حقوق قضائية، وليس هناك احصائيات دقيقة عن العدد الإجمالي لوفيات العمال المهاجرين وأسبابها.
تقرير حقوق الإنسان ذكر غيضاً من فيض لحالة الإنسان العربي المقهور في السجن الكبير، حيث لم يتم التعرض لمنع الشعوب من حقها في تقرير مصيرها، ومن ممارسة حقها في الانتخاب الحقيقي، واختيار حكوماتها التي تتسلط على مقدرات الشعوب دون التمتع بمشروعية حقوقية، ولم يتعرض التقرير للفساد الإداري المتوحش الذي أسهم في تضاعف المديونيات العامة، وتدهور قطاعات الانتاج لصالح المافيات وأثرياء الحروب الذين يتاجرون في دماء الملايين، ونهب الاقتصاد الوطني بلا رقابة ولا محاسبة، ولم يتعرض التقرير لحالات الفشل المزري على صعيد الإدارات الحكومية التي جعلت بلدان العالم العربي في ذيل القافلة البشرية على صعيد الكرامة الإنساني والتحضر الإنساني .