الشاهد -
بقلم الكاتب محمود سالم رحال
هل أعطى إبراهيم شيئا من أرض كنعان؟
والجواب هنا قاطع بأن إبراهيم لم يمتلك شيئا في ارض كنعان سوى مقبرة اشتراها بماله الخاص. لقد عاش إبراهيم في فلسطين غريبا بين سكانها ومالكيها الأصليين، لم يمتلك فيها موضع قدم. حتى اذا فاجأه موت زوجه سارة، انطلق يبحث عن مقبرة يمتلكها ليواري فيها جثمان زوجته وموتى بيته من اللاحقين. وفي هذا كلم إبراهيم بني حث ليشتري منهم مقبرة، لكنهم لما كانوا يوقرونه كرجل صالح يعيش بينهم فقد فوضوه أن يختار أفضل مقابرهم هبة منهم دون مقابل.
«كانت حياة سارة مئة وسبع وعشرون سنة .. وماتت .. فأتى إبراهيم ليندب سارة ويبكي عليها وقام إبراهيم من امام ميته وكلم بني حث قائلا انا غريب ونزيل عندكم أعطوني ملك قبر معكم أدفن ميتي من أمامي.
فأجاب بنوحث إبراهيم قائلين له: أسمعنا يا سيدي أنت رئيس من الله بيننا في أفضل قبورنا ادفن ميتك. لا يمنع احد منا قبره عنك حتى لا تدفن ميتك. فقام إبراهيم وسجد لشعب الأرض لبني حث وكلمهم قائلا أن كان في نفوسكم أن ادفن ميتي من امامي فاسمعوني والتمسوا لي من عفرون بن صوحر ان يعطيني مغارة المكفيلة التي له التي في طرف حقله بثمن كامل.
فأجاب عفرون الحثي إبراهيم في مسامع بني حث .. قائلا. لا يا سيدي اسمعني الحقل وهبتك اياه. والمغاره التي فيه لك وهبتها .. ادفن ميتك
فسجد إبراهيم أمام شعب الأرض وكلم عفرون قائلا .. ليتك تسمعني. أعطيك ثمن الحقل خذ مني فأدفن ميتي هناك. فأجاب عفرون قائلا .. أرض بأربع مئة شاقل فضة ما هي بيني وبينك فادفن ميتك فسمع إبراهيم لعفرون ووزن الفضة التي ذكرها. بعد ذلك دفن إبراهيم سارة امرأته في مغارة حقل المكفيلة .. فوجب الحقل والمغارة التي فيه لابراهيم ملك قبر عند بني حث - تكوين 23». تلك هي القصة الكاملة لامتلاك إبراهيم موطنا لموتاه في أرض الموعد - أرض كنعان - أن صح اعتبار مقابر الموتى ملكا يتوارثه الأحياء ويتنازعون امتلاكه. ولقد عرفنا مما سبق ان نصيب إبراهيم من أرض كنعان لم يكن سوى مقبرة للموتى اشتراها بماله الخاص بعد مفاوضات مع ملاكها الأصليين. وبذلك يمكن القول بأن إبراهيم لم يمتلك شيئا في أرض كنعان، باعتبار ان المقابر ليست الا مستقرا للموتى لا يستفيد منه الأحياء. ويتفق هذا القول وهذا المفهوم مع ما تقره اسفار العهد الجديد: «ظهر اله المجد لأبينا إبراهيم - وقال له اخرج من ارضك ومن عشيرتك وهلم الى الأرض التي اريك فخرج حينئذ من ارض الكلدانيين وسكن في حاران ومن هناك نقله بعد ما مات أبوه الى هذه الأرض التي أنتم ساكنون فيها. ولم يعطه فيها ميراثا ولا وطأة قدم - اعمال الرسل 7: 1 - 5». لكنا نعلم من الأسفار كذلك ان اسحق بن إبراهيم قد عاش في أرض كنعان غريبا متجولا لم يمتلك فيها موضع قدم. وكانت ثروته تتركز في العبيد والمواشي وما تغله الأرض التي يزرعها من محاصيل. ولأن اسحق لم يمتلك من الأرض شيئا فقد تعرض للطرد والأذى من جانب سكانها الأصليين:
وكذلك كان الحال مع يعقوب بن اسحق وحفيد إبراهيم ..
وكذلك بعد أن عاد يعقوب بازواجه وأولاده من العراق ظهر له الله «وباركه وقال له الله .. لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب بل يكون اسمك اسرائيل. وقال له الله القدير. أثمر وأكثر ..
والأرض التي أعطيت إبراهيم واسحق لك اعطيها. ولنسلك من بعدك - تكوين 35: 9 - 12». ورغم ذلك فان الشيء الذي تؤكده الأسفار هو أن يعقوب وبنيه عاشوا في أرض كنعان غرباء مستضعفين لم يمتلكوا فيها شيئا، وأن اقامتهم في أي بقعة منها كانت مرتبطة برضاء أهلها وموافقتهم.
ولم يحدث ان امتلك يعقوب شيئا في أرض كنعان سوى قطعة أرض صغيرة اشتراها بماله الخاص، لينصب فيها خيمته ويقيم عليها مذبحا لله: