ناديا هاشم / العالول
العقل ..أي عقل ..سواء الشرقي منه أو الغربي .. هو بمثابة الآلة الحقيقية الموجِّهة والمحقَّقَة لأي إنجاز بسبب دوره الفاعل الناقل للمجتمعات إما للأمام أو للخلف ..فالعقل هو المولدّ لأي فكر إيجابي او سلبي يُطبَّق على ارض الواقع آخذين بعين الإعتبار بأن في كل حركة بركة ، وليست اية حركة ..وإنما الإيجابية الساعية للتقدم والتطور بعكس نظيرتها المعسكرة بخانة التراجع والتخلّف.. الإنسان كرّمهُ الله على غيرهِ من المخلوقات الأخرى وميزه بنعمة العقل دون غيره، حيثُ سخّرَ لهُ كُلّ شيءٍ لخدمته، جاعلا إياه المُستخلف في الأرض لإعمارها وتطويرها والاستفادة من خيراتها الكثيرة..ولهذا فليس كل إنجاز يقع تحت بند التنمية والإعمار ، فإن كانت بعض العقول تعتبر الدمار إنجازا بحد ذاته ، إذن فهنيئا لهذه العقول المنغلقة مهما حاولت تبرير أفعالها وهي ترُّش على الموت سكّرا !
نكاد نتفق على أن الوصول إلى معرفة الخالق عزّ وجلّ تتم من خلال استخدام العقل البشري كما يمكنه من تحقيق المنفعةبعيدا عن كل مفسدَة ، فالعقل الراجح هو الذي يهدي صاحبه الى طريق الخير والصواب ، وما التقدم العلمي والتكنولوجي الا نتيجة العقول الراجحة التي قدمت المنفعة للبشرية :" وقل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"
فشتان ما بين كل حكيم رصين وبين كل جاهل خفيف !
فأفعالنا المتراكمة بقفزاتها النوعية الأمامية او الخلفية الناجمة عن رجاحة او خفة العقل هي المسؤولة بالمقام الأول عن حصادنا فلكل إنسان من عمله نصيب سلبا أو إيجابا ..فكل النتائج التي بين ايدينا هي مخرَجات لمدخَلات وضعناها على خط إنتاجنا ومن صميم وتصميم عقولنا ..
فما أحوجنا لكل عقل راجح يتصدى لكل خفيف طائش ..
وللاسف إنْ سالتم عن الطائشين فهم كثْر .. فدوما تراهم يغذّون أتّون الفرقة والتفرقة منادين يا نار كوني وقودا تلتهم كل إنجازحضاري تاريخي او حتى مستقبلي جاعلينه بخبر "كان" .. عبر منطق عقيم : صحيح ما تقسم ، ومقسوم ما تاكل ، وكول حتى تشبع !
وبسبب هذا المنطق الذي لا يسمن ولا يغني من جوع تعاني بعض العقول من قحط واضح بمجالات الحكمة عاملة بنفس الوقت على تجفيف ينابيع السعادة عند غيرها ..
فبين عرقلة الحكمة الى عرقلة السعادة يغرق العالم ببحور الكراهية والإحباط والتخلّف , وهل هنالك أتعس من هكذا توليفة نستمد منها سعينا للإنجاز بظل سحابة سوداء لا أول لها ولا آخر , من الجهل المستفحل والغباء المتأصِل ؟
فالعقل أولا وأخيرا وما يؤثر عليه من عوامل طبيعية جينية واخرى مكتَسبة اجتماعية وثقافية كلها برمتها تؤثر على مسيرة العقل بداية بالرؤية المستقبلية التي يرتأيها هذا إن كان لديه رؤية .. ونهاية بالأهداف المأمولة الساعي لتحقيقها عبر برامج يطبقها على أرض الواقع ..
علما بان العقل النيّر الشفاف –غير السميك- قادر على استنباط الحقيقة ..هكذا كان العقل العربي بالعصور الذهبية التي وصلت فيه الحضارة العربية والإسلامية شرقا للصين وغربا للأندلس ، طبعا قبل ان تحيط به ستائر العتمة وتغلّفه ليبقى محتجزا تائها بدهاليز الظلم والظلام متعثرا هنا ومتزحلقا هناك ..
فأنّى لنا التقدم للأمام ونحن نفتقد للضوء اللازم للبصر ولأنوار الحكمة التي تشحذ البصيرة ؟
أغطية ثلاث تراها تزداد سماكة وتتحكم اكثر واكثر تسعى جاهدة لتغليف العقول العربية والغربية على حد سواء وإن كان نصيب العقل العربي منها اكبر لأنه بدلا من التخلص منها ونبذها غرقنا بها مضيفين لها المزيد من الإنغلاق .. اغلفة ثلاث ازدادت سماكة أحاطت بالعقل العربي حتى ازهقت البقية الباقية من المنطق المتبقي عنده ..
1- غلاف الأنانية
2- غلاف الطمع
3- غلاف الجهل ..
صحيح انها غير مرئية .. ولكنها محسوسة ملموسة بنتائجها المدمرة الواقفة بالمرصاد لكل مشروع نهضوي ليبقى دوما بين نهوض وصعود ..بين يقظة وسبات .. بين تقدم وتخلف .. حتى أعيانا الرحيل والترحال بين المتناقضات فأصبحنا ماهرين نتقن فن التراجع الى الحد الذي نُحسَد فيه على مهارتنا بالتقهقر ..
وهل من دليل أكبر من واقعنا الذي يبرهن ويشهد على ذلك ؟ حتى وصلنا الى الحد الذي اصبح فيه البقاء بحد ذاته بمثابة انجاز نُشْكَرُعليه وسط هذا الأتّون الملتهب الملتهم لكل اخضر يانع ولكل جاف يابس ! فبين وقت قليل ومتغيرات اكثر تضاءلت فرص النهوض للوقوف على أقدامنا بظل وضع عربي متراجع .. مما يحملنا بالاردن مسؤولية اكبر....
وجاءت كلمة الملكة رانيا عند إطلاق الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية كنبراس يلقي الضوء على اهمية وضع التعليم كأولوية وطنية للخروج من هذا النفق .. مؤيدين بدورنا بأن المباشرة بإعادة تصحيح المسيرة التعليمية عندنا على الصعد كافة هي بمثابة عملية إنقاذ للعقل العربي ووضعه على المسار الصحيح قبل فوات الأوان .. hashem.nadia@gmail