أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية المقالات ثلاثية النهضة: علم .. وعمل .. وأخلاق!...

ثلاثية النهضة: علم .. وعمل .. وأخلاق! «اليابان نموذجاً»

04-10-2017 03:18 PM

- ناديا هاشم العالول -

ثلاثية بغاية الأهمية من شأنها ان تجيب على تساؤلات عدة أعيت الكثيرين بحثا عن أسباب تعذر نهضتنا، هذا إن استيقظنا من غفوتنا التي تحولت الى سبات طويل يمنعنا من النهوض لمتابعة مسيرتنا التي شهدت تراجعا حثيث الخطى منذ ان غزا التتار بغداد 1258 ميلادية، فترانا دوما متقلبين بين حالات من التباطؤ والتعثر والسّبات والقعود.. فبغض النظر عن الشعارات والمبادرات العدة مثل مبادرة « انهض» لاستنهاض وتحفيز همم شعوب استمرأت وضعية القعود..فما زلنا نحاول النهوض! بالمناسبة بينما كنت أهمُّ بكتابة مقالة مختلفة، ولكن حضوري احتفائية بالسفارةاليابانية تسبق عيد» تفتُّح زهر الدرّاق» ، أو «عيد الدمى».. والذي يصادف يوم 3 آذار، فوددت ان اشارك القراء بمضامين وابعاد هذه الاحتفائية، فهم يؤمنون بأن زهر الدراق يجلب الحظ الجيد، كما يحتفلون بعد ذلك بيوم «تفتّح زهر الكرز «المرتبطة أزهاره عندهم بأهمية الدفاع عن المبدأ الأخلاقي مثل شرف «الساموراي»..الخ من تقاليد تراثية، منحدرة منذ مئات السنين منبثقة عن ديانتي»الشنتو» و»البوذية» التي يدين بها غالبية اليابانيين.. علما بأن «الشنتوية» هي ديانة يابانية قديمة وضعية اجتماعية ظهرت منذ قرون طويلة، تربطها علاقة تسامح مع البوذية اليابانية وقد أصبحت عقيدتهم العادية الآن مزيجاً من الشنتوية والكونفوشيوسية والبوذية.. ما لفت نظرنا بهذه الاحتفائية المُصغّرة بالسفارة هو حجم الذوق الإبداعي الرفيع المستوى الطافح على الصعد كافة، ذوق يضمِّخ كلَّ عمل وكلَّ حركة تصدر عنهم، مثل قيام المضيفة عقيلة السفير بتحضير الشاي الياباني التقليدي عبر طقوسه المشهورة جلوسا على الأرض – TEA CEREMONY – كأنها تعزف قيثارة إغريقية بحركات ناعمة –نازكة- مدروسة تتميز بالإنسيابية المرهفة، لتطوف بعدها علينا مقدّمة الشاي بنفسها.. علاوة على قيام طبّاخة يابانية، بتحضير «السوشي» الياباني بحشوة داخلية مزينة بأعشاب بحرية مزروعة بداخلها تتخذ شكل الفراش والدمى بغاية الدقة والنمنمة، فطربنا لطعمها الفريد ولفنَّها الرفيع المكلَّليْن بذوق بديع لأمة» نهضت «من بقايا دمار القنبلة الذرية وويلات الحروب العالمية! كيف نهضت يا ترى؟ بالعلم؟ بالعمل ؟ وحدهما؟ نشك بذلك فكلنا نتعلم.. وكلنا نعمل.. ولكن لا انجاز حقيقي ولا نهضة فعلية ف (علم + عمل) لا يساويان نهضة، لان المعادلة الحقيقية التي تحقق النهضة هي :علم + اخلاق+ عمل= نهضة فالثغرة الحقيقية تكمن بغياب الأخلاق! صحيح ان ديننا السمح تطفح مضامينه بالأخلاق.. ولكنها تحتاج الى ممارسات حقيقية، تربط الطاعات، بمضامين العبادات، بالسلوكيات بسلسلة لا تنفكّ أبدا.. فاليابان.. والصين.. وكوريا الجنوبية.. مثلا.. يطبقون مبادئ الاخلاق كأمر لا بد منه دون الحاجة لتأطيرها بالعبادات.. فما فائدة العبادات إن لم تغيرنا نحو الأفضل؟ فالمواطن الياباني يقوم بكل مناسبة بإماطة الأذى عن الطريق بتكنيسه شارعه بنفسه.. والتلميذ ينظف مدرسته..و.. و.. وحتى السفير الياباني ببيته بالأردن شاهدناه ينقل المقاعد بنفسه مُجْلِسا عليها ضيوفه..كلها ممارسات تعكس تواضعا لا مثيل له..تواضعا نفتقر له.. ولا عجب فمادة «علم الأخلاق» يتم تدريسها بالمدارس اليابانية كمادة غير منهجية.. وتصوروا ان اليابان تطالب حاليا باستعادة الأخلاق، بعد ان تبين لهم تراجعها لإرتفاع الجريمة بين الأحداث – وفق مقياسهم الراقي- يطالبون بتغيير المناهج.. ففتشوا وبحثوا منقبين بتراثهم مختارين الجميل منه لتعلم العادات الحميدة التي كانت سائدة في حقبة» إيدو» منذ ثلاثمائة عام حيث ازدهر بهذه الحقبة «ادب المحاكاة»، جاعلينه مادة «إجبارية» لتعليم الاطفال ادقّ التفاصيل مثل طريقة «المشي» و»مستوى الصوت « و»درجة الانحناء» عند التحية وصولا للكلمات التي يجب استخدامها عند مخاطبة الآخرين.. «اليابان النموذج» يحدّث مناهجه للأحسن، ونحن ما زلنا نغلط بحق بعضنا بلغْط أبدي يعرقل من تحديث المناهج.. قد يعلق البعض ما هذه السفسطائية والفذْلكة ولماذا تعليم طريقة المشي؟ بالمناسبة اذكر بالصغر كيف كان يتم تحفيزنا بالمدارس ك «عريفات» لمراقبة سير الطالبات بطوابير منظمة بالممرات الداخلية للمدرسة، منعا للفوضى، وصدْقا وعلى صغر سننا كنا ننفر حينها من طريقة سير بعضهن ملوحات بأكتافهن، مشحِّطات الأرض بنعالهن بدون سبب يُّذكَر.. وها نحن نشاهد صنوفا من إلإزعاج والتجاوز والتشحيط تنسحب على أسلوب قيادة السيارات وما يتبع مذكّرين بأن القيادة فن وذوق واخلاق.. فهنالك مؤشرات قد تبدو واهية ولكنها بمضامينها الخطيرة تخلق مصائب وكوارث.. فالقيادة ليست مرتبطة بالسيارات فحسب.. انها أسلوب قيادة لنواحي الحياة جميعها علما وعملا وسلوكا عبر معايير الفن والذوق والأخلاق، تنبع محصلتها النهائية من التربية الأسرية والمدرسية.. فكلٌّ وأخلاقه ونوعيتها هي التي تصنع القبح والجمال على كل المستويات.. فحذار من سلوكيات قبيحة قد تبدو للعين بأنها واهية لا قيمة لها لكنها تحمل بباطنها معاول هدم تهدم كل جميل يولّد النهضة التي نريد! hashem.nadia@gmail





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :