ناديا هاشم / العالول
بقدر ما توجد تيارات تقدمية تسير الى الأمام ، بالمقابل توجد تيارات عكسية تسير للخلف ربما قصدا او بدون قصد نتيجة تربية ترعرت على شعار
" انا أمشي بالشقلوب .. اذن انا موجود "!
فكيان هؤلاء العكسيون المعاكسون المشقلِبون والمتشقلبون لا يتألق سوى بالمشي بالمقلوب.. فهم من أسسوا ركائز زمن الشقلبة لرفعهم هذا الشعار المعاكِس ، شاطبين دور العقل وما أسهل ما يطيّر الإنسان عقله مستغنيا عنه رافضا إستخدامه، علما بانه وبنهاية المطاف القريب او البعيد سوف ينعكس عليه سيره المعكوس سلبا وبصورة اشدّ فتكا موقعا إيّاه ببراثن التخلّف وعلى نفسها جنت براقش ..
لا ننفي باننا نعيش زمن الشقلبة .. شقلبة المفردات وشقلبة المعاني وشقلبة المرح وشقلبة محاسن الأخلاق .. الخ لاثبات الوجود .. وهذا بطبيعته يهدد الوجود ..وما أسهل ان نعاكس كل ما هو صحيح ، المهم ان نقول لا ونقلب الأبيض لأسود وبسهولة للتنغيص على الآخرين واغتيال كل ما هو ايجابي وجميل ،عبر مهارات سلبية يمتلكها البعض لدرجة ان يرى أحدهم منظرا ساحرا خلابا تتفق الغالبية على روعته.. ولكنه يصر على قبحه .. وهكذا ..
والشيء نفسه ينطبق على خلط المفردات وأَبعاد معانيها .. المفردات العميقة التي تحتاج الى وقفة ولو بسيطة لإدراك معنى كل مفردة ومرادفاتها وأضدادها .. فمثلا الحزم والصراحة الأدبية والديمقراطية كلها معان إيجابية لها معايير لموازين تحترم الآخر وتعترف بالتعددية قولا وفعلا مبتغية المصلحة العامة بعيدا عن الشخصنة وتضخم الذات والأنانية والنرجسية ألخ من امراض مجتمعية ..
ولكن بقدرة قادر يتم خلط الفوضى بالديمقراطية ، والوقاحة بالجرأة الادبية ، كما يتم تفسير الحزم بأنه عدوانية ، قصدا او سهوا ..
فالقصد من اللخبطة لخلط المعايير وبعثرتها بعيدا عن موازين الحق .. بغية إحداث بلبلة تخلط الحابل بالنابل .. فتضيع الطاسة .. ويتلاشى الحق ..فيتغول من يتغول .. وينظلم من ينظلم ..
أضافة الى ان هنالك فئة تكره الخير للآخرين رغم التظاهر بإيمانهم بالخير قولا وفعلا وسلوكا معاكسين الحديث النبوي الشريف :"لا يؤمن احدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبّه لنفْسِه"..
فلو عدنا للسبب لعثرنا على جذور ساديَّة تعشعش بدواخلهم تتقن لعبة تقتات على دمار الآخرين .. وهؤلاء مهما كانوا قلة بمجتمعاتنا إلا ان خطرهم كبيرا يتفشى بسرعة.. فحذار منهم حذار ..
علما بأنه ليست بكل مرّة تسلم الجرّة .. فمن يمشي باتجاه معاكس ويسير بالشقلوب معتمدا على حظه الجيد الذي طالما حماه من التعثر والسقوط .. سيتخلى عنه حظه ذات مرّة فيقع على رأسه ...
نعم وللأسف ..الشقلبة باتت ملحوظه بصورة واضحة بمجتمعاتنا النامية فيثنون على الفاشل ويفشّلون الناجح ، مهلّلين للقباحة بالقول والفعل والمضمون والسلوك ..ناشرينها بكل مكان يفرحون بمواسم الحزن ويحزنون بمواسم الفرح..
هل هي عقدة رفض الاعتراف بكل ما هو إيجابي جميل ، فهم لا يقوون على إطراء الناجحين نتيجة تربيه الأهل الإزدواجية فتسمعهم يرددون :حبّوا الخير لغيركم ويفعلون العكس ..فيقولون مالا يفعلون .. وشتاّن ما بين القول والفعل والتنظير والتطبيق..
فبقدر ما يشكّل الأهل نموذجا بنّاء تراهم بالوقت نفسه يشكّلون نموذجا مدمّرا
يقلب الحق ويتبع الباطل نتيجة المعايير المقلوبة وكلٌ وتربيته !
وكيف ؟ وهنالك من يفرح بمواسم الحزن .. ويحزن بمواسم الفرح .. عبرشقلبة المشاعر ؟وإلا ماذا نفّسر ظاهرة الوجوم بالأفراح .. بينما يسود الحبور والسرور بأوقات الحزن ؟حتى أن البعض بات يرى الجمال بالقبح ،والقبح بالجمال بظل شقلبة المعايير .. فعلا ظاهرة تستحق الدراسة !
صحيح ان التوازن مطلوب كعدم التفاعل دوما على الطالع والنازل بمشاعر الغضب او الحزن او الفرح وفق الظروف المتاحة إذْ لا بد من الإنضباط ، ولكن ضمن الحدود الطبيعية لأن التفاعل طبيعة إنسانية ،وما هذا الانفجار بسلوك عنيف مفاجىء الا نتيجة حتمية لتجميد المشاعر من حزن وغضب وفرح فتغدو كتلة صلبة ملقاة بالعقل الباطن لتخرج عنوة بدون سابق انذارتحت ظرف معيّن..
فتجد احدهم ممن يتمتع بصفة الانضباط والهدوء يتفجر فجاة غضبا مؤذيا من حوله دونما سبب واضح.. سوى انه ضغط على مشاعره طويلا فخرجت كبيرة مضخَّمة مثل كرَة المنجنيق فتصيب من تصيب وتخطىء من تخطىء .. وبعدها نقول: شو صار له ؟
صحيح أن لتَنْويمِ الحس والاحساس فوائدا كبيرة لكونه يشكّل جدارا منيعا ودرعا يحمي صاحبه من تعنّت الزمان فتجعله لا يتأثرسلبا بما يدور حوله من مصائب ..فاصِلا نفسه عن الحس والإحساس ولكن بشكل مؤقت وبالمعقول ..
كم من عُقد دفينة تتعقدها الأجيال يوميا حتى أصبحت محصّلة العقد والتعقيد عندنا "أسلوب حياة" وهيهات ندبّرها بعدين !
والحل ؟
: بالتربية السليمة الصحيحة .. والوقاية ثم الوقاية من العقد النفسية وإن لم نستطع فمعالجتها أولاَ بأوّل تجنبا للأمراض الإجتماعية الجمْعية المعيقة لتقدمنا ! hashem.nadia@gmail