د. رحيل محمد غرايبة
نحن أمام مرحلة سياسية جديدة وفي مواجهة معالم حالة اقليمية جديدة ، وسوف تشهد منطقة العالم العربي التي يطلق عليها الشرق الأوسط جوهر التغيير الحقيقي القادم ، وسوف يكون المسرح الاكثر اهمية للعبة الدولية والاقليمية الجارية ، وسوف تشهد المنطقة أنظمة وشعوباً وقوى سياسية ومجتمعية ضغطا كبيرا وتغيرا هائلا، وسوف نكون أمام حالة مختلفة تشهد صعوداً لقوى جديدة وأفولاً لقوى أخرى. مجيء الرئيس الامريكي الجديد – ترامب وما رافق صعوده من تصريحات مثيرة للجدل أشغلت الرأي العام لا يمثل الاّ غمامة سوداء لتمرير التغيرات الكبيرة التي يعكف عليها الفريق المختص بالخطة السياسية الامريكية ، التي تستهدف الشرق الأوسط الكبير، حيث تم استهدافه من قبل بولادة مسرحية «داعش» التي كانت مجرد غطاء لتدمير قوى النهوض في الأمة وتشويهها واشغالها واشاعة الاحباط واليأس في أوساط شعوبها، من أجل أن تكون مهيأة لاجراء التغيرات الكبرى التي سوف تنالها. «اسرائيل» والقضية الفلسطينية تمثل جوهر عملية التغيير الكبرى ، وليس صحيحاً ما يشاع بأنها خارج سياق الأحداث، بل سوف تشهد حظاً وافراً من ثمار التغيير اليانعة ، «اسرائيل» بدأت تدشين خطوة استيطانية علنية في الضفة الغربية وسط هذا الضجيج، وتتخذ خطوات مهمة في الاستيلاء التام على القدس، حيث انها عقدت صفقة كبيرة مع الكنيسة للاستيلاء على الأرض الوقفية الواسعة في القدس وضمّها رسميا لاملاك بلدية القدس الرسمية ، بالاضافة الى مخططها التهويدي الذي يستهدف الأوقاف الاسلامية والأقصى على وجه الخصوص، وفي مقابل ذلك هناك خطوات واسعة باتجاه تخصيص قطاع غزة لتكون هي الكيان الفلسطيني المستقبلي ، مع بعض الاقتراحات المقدمة في هذا الشأن بتمدد الكيان الغزاوي نحو سيناء، وهناك معالم انضاج توافق بين حماس ودحلان يجري طبخه على نار هادئة ، ليسهم في عملية الاستقرار السياسي للكيان بغطاء مصري واقليمي، وهناك خطوة سياسية أخرى مفترضة لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينين حلاّ جذرياً ونهائياً على حساب الأردن بالاضافة الى حل مشكلة التجمعات السكانية الفلسطينية في الضفة الغربية عبر صيغة فدرالية مقترحة . نهاية الربيع العربي وانتفاضة الشعوب العربية على هذا النحو المزري والمرعب ؛ فرض على الشعوب و الدول والأنظمة العربية أن تتلمس رؤوسها وتسارع لحفظ بقائها من خلال قدرتها على التكيّف مع المرحلة السياسية الجديدة ، وربما تكون الأزمة الخليجية احد الامثلة على تجليات عمليات التكيف والتطويع التي تشهدها الأنظمة العربية الحاكمة، بعض الحكومات العربية ترى ان السبيل لبقائها يفرض عليها المسارعة لدخول بوابة التطبيع مع اسرائيل ، واعلان الانخراط في مقاومة الارهاب بحسب الرغبة الامريكية في المقام الاول ،والخوف في هذا السياق ياتي من خلال عملية فرض الرغبة "الاسرائيلية " في محاصرة حركات مقاومة الاحتلال ، وتجريم كل من يعتبر اسرائيل دولة محتلة ومعتدية . استهداف حركات النهوض العربية هو الأمر المرافق لزوبعة التغيير، وما التركيز على حركات الاسلام السياسي الاّ لأنها كانت الأكثر تأثيراً وفاعلية في حركات الشعوب الأخرى على المستوى العربي والاسلامي، وقدرتها على تمثيل حركة الوعي الجماهيري العربي، ولو كان هناك حركة أخرى أكثر تأثيراً في مسار التغيير الشعبي لكانت مستهدفة بالطريقة نفسها، ويمكن التأشير على أن الخوف من الحركات السلمية والفكرية هو الخوف الحقيقي، وليس من الحركات العنفيّة كما هو في ظاهر الأمر، وان كان الهجوم عليها هو عنوان الحملة العالمية القائمة التي تمثل غطاء للخطط المخفية، وذلك من أجل الاسهام في حالة التشويه العام لكل الحركات الناشطة على الصعيد السلمي والفكري ، والاسهام في اشاعة جو من الاحباط الشعبي العام الذي يصلح لتمرير المرحلة . حالة الضعف العربي اغرت امريكا واسرائيل بالمسارعة الى تنفيذ مخططها باعادة صياغة المنطقة سياسيا وثقافيا واجتماعيا ، والمسارعة الى الاستيلاء على مقدرات الامة ، والاستيلاء على ثرواتها النقدية المتاتية من النفط والغاز في الوقت نفسه ، وارعاب الانظمة وتهديدها بالزوال في حالة عدم الانصياع التام للرؤية المفروضة.