بقلم : عبدالله محمد القاق
القرارات المتتالية التي تصدرها منظمة اليونسكو للمدن الفلسطينية انتصار فلسطين بإدراج "القدس القديمة وأسوارها" والبلدة القديمة في الخليل والتي تضم الحرم الإبراهيمي لقائمة التراث العالمي تعد انتصارا جديدا لفلسطين، فقد صوت للقرار 12 دولة، وعارض القرار 3 دول، وامتنعت 6 دول عن التصويت في اجتماع عقد مؤخرا في العاصمة البولندية. ويمثل هذا القرار حدثا تاريخيا، يؤكد على هوية الخليل والحرم الإبراهيمي العربية الفلسطينية، وأنها تنتمي بتراثها وتاريخها إلى الشعب الفلسطيني، وهزيمة لإسرائيل التي حاولت أن تدرج الحرم الإبراهيمي إلى التراث اليهودي. وبذلك يؤكد القرار على زيف الادعاءات الإسرائيلية، وسقوطا مدويا لإسرائيل وحلفائها أمام تاريخ وأصالة مدينة الخليل الفلسطينية. والواقع مدينة الخليل تعد واحدة من أقدم المدن العريقة التي مازالت مأهولة في العالم، ويمتد تاريخها إلى أكثر من 6000عام. وهي مدينة مقدسة للديانات السماوية، وأصبحت رابع أقدس مدينة إسلاميَّة بعد مكة والمدينة المنورة والقدس، يعتبر الحرم الإبراهيمي الشريف من أهم المعالم الحضارية المميزة للمدينة والذي منحها مكانتها المميزة، وجعلها مقصدًا دينيا للمؤمنين والرحَّالة العرب والأجانب الذين أفاضوا في الحديث عنها وعن معالمها الدينية والحضارية وتقف المدينة التاريخية بهندستها المعمارية المملوكية والعثمانية، والتي تم الحفاظ عليها وصيانتها، شاهدا على حيوية المدينة وتعدديتها الثقافية على مر العصور. منذ عام 1956 وحتى عام 2017 أصدرت منظمة اليونسكو ما يزيد عن عشرة قرارات متعلقة بالوضع التاريخي والثقافي في القدس الشرقية، والأراضي الفلسطينية، وجميعها جاءت متوافقة مع عشرات القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة والرافضة لاحتلال القدس الشرقية أو لتغيير معالمها التاريخية والقانونية والدينية والحضارية. وقد ضمت لائحة التراث العالمي، غير القدس القديمة وأسوارها، والبلدة القديمة في الخليل، أيضا أدرجت مهد ولادة يسوع المسيح: كنيسة المهد وطريق الحجاج، بيت لحم (2012)، وقرية بتير بلد الزيتون والكرمة – منظر ثقافي في جنوب القدس (2014)، بهذا أصبح لفلسطين أربع ممتلكات ثقافية على لائحة التراث العالمي، وهذا التراث لم يعد ملكا للفلسطينيين فقط، بل يمثل إرثا استثنائيا عالما يهم الإنسانية جمعاء. وقد أثار قرار منظمة اليونسكو ارتياحا وبهجة لدى الفلسطينيين، مما يؤكد على نجاح القيادة والدبلوماسية الفلسطينية في مساعيها الدولية، ولكن يعود الفضل في إصدار هذا القرار إلى جانب الدبلوماسية الفلسطينية، الى التعاون بين المؤسسات الفلسطينية والتنسيق من اللجان العربية والصديقة في العالم، فقد كانت وزارة السياحة والآثار وبالشراكة مع وزارة الخارجية وبلدية الخليل ولجنة اعمار الخليل، قد قدمت ملف ترشيح المدينة على لائحة التراث العالمي لدى اليونسكو بتاريخ 30/1/2017م ، قبل أن تتقدم بطلب رسمي بتحويل الملف من الحالة الاعتيادية إلى الحالة الطارئة في 21/5/2017م وذلك على اثر ازدياد الاعتداءات الإسرائيلية على البلدة القديمة في الخليل والحرم الإبراهيمي ومحيطه حيث تم تدعيم هذا الطلب بتقارير فنية تؤكد مساس الاعتداءات بأصالة الموروث الثقافي الفلسطيني في المدينة، بالإضافة إلى المساس بالقيم الاستثنائية العالمية التي تم اعتمادها في إعداد الملف الفني للترشيح استنادا إلى المعيار الثاني والرابع والسادس لتسجيل مواقع التراث الثقافي ضمن معاير منظمة اليونسكو التي اعتمدها مؤتمر باريس الدولي تحت عنوان اتفاقية التراث العالمي للعام 1972م. تكمن أهمية هذا القرار في الحصول على وثيقة دولية يمارس الفلسطينيون من خلالها الضغط على سلطات الاحتلال للتوقف عن ممارساتها العدوانية في طمس معالم الخليل وتاريخها وموروثها الثقافي. لذلك علينا البناء على هذا القرار وعلى غيره من القرارات التي اصدرتها اليونسكو والأمم المتحدة ودعوة هذه المؤسسات إلى تحمل مسؤولياتها السياسية والثقافية والإنسانية في حماية الشعب الفلسطيني، وحماية موروثة الثقافي والحضاري. كما يجب أن تأخذ المؤسسات الفلسطينية والسفارات والجاليات العربية دورها في الترويج لهذا الانجاز الفلسطيني وغيره من الانجازات أمام الرأي العام العالمي للتأكيد على حقوقنا التاريخية والسياسية والثقافية والتراثية والحضارية في أرض فلسطين. بدورها، أعلنت وزيرة السياحة والآثار الفلسطينية رلى معايعة عن تصويت منظمة اليونسكو الى جانب المقترح الفلسطيني وذلك بعد انتهاء أعضاء لجنة التراث العالمي من التصويت على ملف إدراج المدينة، ضمن الدورة الواحدة والأربعين التي عقدت في مدينة كاراكوف البولندية. وأكدت أن القرار "دحض الادعاءات الإسرائيلية التي طالبت صراحة بضم الحرم الابراهيمي إلى الموروث اليهودي، بالإضافة إلى حماية الحرم الابراهيمي ومحيطه من الاعتداءات الاسرائيلية والتهويد المستمر منذ فتره طويلة وذلك من خلال الحصول على ورقة دولية ضاغطه على الاحتلال بحيث يتوقف عن طمس معالم الخليل وتاريخها وموروثها الثقافي الذي يمثل إرثا استثنائيا عالميا يهم الانسانية جمعاء وليس الفلسطينيين وحدهم". وصرحت وزارة الخارجية الاسرائيلية أن قرار منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) إدراج مدينة الخليل على لائحة التراث العالمي يشكل "وصمة عار" للأمم المتحدة، معتبرة أنه ينكر التاريخ اليهودي للمدينة. وكتب الناطق باسم الخارجية الاسرائيلية ايمانويل نحشون في تغريدة بعيد التصويت أن قرار اليونسكو حول الخليل "وصمة عار. هذه المنظمة التي لا أهمية لها تروج للتاريخ الزائف. عار على اليونسكو". وفي رام الله، رحبت الحكومة الفلسطينية بقرار منظمة "اليونسكو". وأثنى المتحدث باسم الحكومة طارق رشماوي على "الجهد العالي والمبارك الذي بذلته وزارة السياحة والآثار ووزارة الخارجية والمغتربين، وبلدية الخليل وجميع المؤسسات الدولية المساندة"، مؤكداً أن "هذا القرار يدحض بوجه قاطع كافة الادعاءات الإسرائيلية المطالبة بضم الحرم الإبراهيمي الشريف إلى الموروث اليهودي، ويؤكد على هوية الخليل الفلسطينية" وفق ما ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية. المطلوب من المجتمع الدولي "اتخاذ خطوات واضحة لمنع حكومة الاحتلال من الاستمرار بالاعتداء على المدينة والحرم الإبراهيمي الشريف باعتبارهما، وكما أكد قرار اليونسكو، تنتميان بتراثهما وتاريخهما إلى الشعب الفلسطيني". وهذا القرار لم يكن ليتم من قبل اليونسكو لولا نجاح للدبلوماسية الفلسطينية والذي يعتبرسقوطا لإسرائيل. لإن "هذا التصويت يعد نجاحا لمعركة دبلوماسية خاضتها فلسطين على الجبهات كافة، في مواجهة الضغوطات الاسرائيلية والأمريكية على الدول الأعضاء وفشلا وسقوطا مدويا لإسرائيل".