ناديا هاشم / العالول
ها قد رحل شهر رمضان شهر الخير واليُمن والبركات .. شهر الأدعية بالمساجد ومن قمة المنابر وعلى اسطح البيوت والمنازل.. وما بينهما من مواقع الثورة الرقمية وشبكتها العنكبوتية بإضاءاتها وتعتيماتها المنهمرة علينا زرافات ووحدانا صبحا وعشية وبعزِّ الظهريّة..
فعلا لا أوْحش الله منك يا شهر الصوم والصيام !
بالمناسبة نحن لسنا ضد الدعاء على الإطلاق بل معه قلبا وقالبا.. قبل رمضان وأثناءه وبعده .. عملا بقوله تعالى :"وقال ربُّكم أُدْعوني أستَجِب لكم" ..
ولكنْ هل يكفي الدعاء لوحده للخروج من الأزمات الفردية والجمعية .. ام لا بدّ من اقتران الدعاء بالعمل ؟وهل يكفي الدعاء لوحده للشفاء من علة ما ،ّ ام لا بد من الذهاب للطبيب ايضا ؟
مستذكرين سيدنا عليّ بن ابي طالب عندما مرّ على رجل يدعوا لناقته المريضة دون ان يفعل ايّ شيء آخر
فنهره وقال له: "اخلط دعاءك بقليل من الزيت فان الدعاء لوحده لا يكفي" ..
يعني لا بد من تجييرآلية عملية اخرى تتناسب والحالة هذا الى جانب الدعاء لله سبحانه ..
وللأسف فقد أثبتت التجارب الأخيرة بتراكماتها المريرة بان نسبة كبيرة لا تملك سوى الدعاء لكونه الأسهل فهو لا يتطلب سوى القعود مبتهلين متضرعين وبالأحر شاكين باكين لرفع البلاء ..
وبقدر ما الدعاء عبادة إلا ان الإسلام حثّ ايضا على العمل وليس لأَي عمل بل العمل المتقَن ، ولا بد من الحرص عليه والأخذ بالأسباب مع التوكل على الله سبحانه بعيدا عن "التواكل " ..فالحرص يشدّ من العزيمة محركا الإرادة للعمل ولهذا رفع رب العالمين العمل الى مستوى العبادة عندما يكون بنيّة صالحة خالصة لوجه الله سبحانه ..
فنّبه الرسول الكريم بهذا المضمار : ( ان الله يحبّ اذا عمل احدكم عمل ان يتقنة ) وهنا تأتي اهمية اتقان العمل ومراعاة مخافة الله في عمله ..
فحينما أعْلى الإسلام من شأن العمل فجعله عبادة حين يقوم العبد بكسب رزقه بالطرق الحلال بنيّة إعمار الأرض وتحقيق أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه ،فإن فعل ذلك فإن الله تعالى سيجزيه الخير وينفعه بما يعمل بالدنيا والآخرة، وهذا يعتبر محفزاً قوياً للإنسان على الجد والعمل بالشكل المتقن، قال تعالى: "من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" (النحل 97). ونعود لأهمية الدعاء وشروط الاستجابة له
يقول تعالى :(واذا سألك عبادي عني فقل اني قريب أجيب دعوة الداعي اذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون(..
فالعِباد .. ترى ايُّ عباد ومن ايّ صنف ؟
انهم العباد السبّاقون للخيرات أصحاب النفوس الخيّرة فهؤلاء يملكون حصيلة من تراكمات الخير بنفوسهم التي تقرّبهم من الله سبحانه وتجعل دعواهم مستجابَة بغض النظر عن فقرهم او غناهم المادي ..
ونتساءل كيف يستجيب العباد لله سبحانه ؟
وهل رب العالمين بحاجة الى عباده(فليستجيبوا لي) هنا تنَبّهُ الى استجابتهم لدعوة الله لهم ليكونوا أخيارا..
فالإستجابة هي علاقة تبادلية تتم عبر عملية أخذ وعطاء بين الخالق والمخلوق ..
كثيرا ما نسمع الدعوات من منابر الجوامع اللهم انصر الإسلام والمسلمين .. آمين ..آمين ..
ولكن ما نراه على أرض الواقع وما يحصل أمام عيوننا هو العكس تماما .. فُرْقة ما بعدها الفرقة سنّي وشيعي .. وما بينهما .. ويا لخوفنا ان تقتتل المذاهب السنية فيما بينها من حنفي وشافعي ومالكي وحنبلي.. للأسف الأمم الأخرى مشغولة ببحوثها العلمية ودخلت منذ زمن طويل بعصر التنوير ونحن نجتهد بالعودة للعصور الوسطى المظلمة التي عاشتها اوروبا ،بينما الدول الإسلامية من آموية وعباسية وفاطمية تالّقت بنور العلم والتطوير .
والآن يأتي من يأتي ليعيدنا لعصور السبي والنخاسة بعد ان قلبت العقول الضيقة مضامين التسامح بديننا رأسا على عقب ..
ويتقلّب المشهد بين تطرف، وبين قعود لمعتدلين قاعدين ممن يتعبدون صباحا مساء مبتهلين متضرعين معتقدين ان الدعاء هو سبيلنا للخروج من عنق الزجاجة ناسين متناسين بان المؤمن القوي اقرب الى الله من المؤمن الضعيف ..
و تقبع الفئة الواعية مختنقة اكثر واكثر بين تطرف وقعود الآخرين ، مدركة مخاطرهما محاولة من جانبها ربط العمل بالعبادة والحرص عليهما..
ونسمع نداءات : اخشعوا بالدعاء فالخشوع ضروري ومن شروط الاستجابة كما هو الإسراع لفعل الخيرات .. ولكن هل خطر على بالنا بان هنالك خشوعا خاصا بالعمل المتقَن عبر تجنب مخاطر الحرام حتى نكون لله اقرب فيرضى عنا مستجيبا لدعواتنا ؟
وهكذا فالدعاء حتى يكون مستجابا لا بد من الخشوع على الصعد كافة ،بالعبادات كلها بما فيها الدعاء وايضا الخشوع المقترن بأعمالنا وسلوكنا يعَتبرعبادة لكونها طيّبة لا يدخلها حرام ..
فلنجيّر ايجابيات الإسلام ولنتخلص من سلبيات أوهامنا مذكرين متذكرين بأن "الإسلام دين عمل وليس دين قعود"!