د. محمد طالب عبيدات
انطلقت احتفالات اليوبيل الذهبي للجامعة الأردنية “الجامعة الأم” برعاية ملكية سامية من لدن جلالة الملك المعزّز عبدالله الثاني بن الحسين المعظّم، وتشرفت بحضورها، ونحن إذ نبارك من القلب لأسرة الجامعة إدارة وطلبة وخريجين وأساتذة وإداريين وعاملين إنجازاتهم المتراكمة على مدار خمسين عاماً المنصرمة، فإننا في ذات الوقت نستذكر المحطات المهمّة في مسيرة الجامعة الأردنية وأخواتها الجامعات الأخرى سواء الرسمية أو الخاصة ليسجّل التعليم العالي في وطني أحد المفاصل المضيئة والمفاخر الوطنية والتي يشار لها بالبنان على طريق الإنجاز والبناء والتميّز، كما نستذكر المفاصل الأخرى التي ما زالت بحاجة لمزيد من العمل والعطاء على سبيل التطوير لا النقد.
وما التكريم الملكي السامي لثلة من أشاوس الأكاديميين رؤساء مجالس الأمناء ورؤساء الجامعة السابقين والحاليين إلّا دليل على الاحترام الأكيد لمسيرة الجامعة المفخرة والتي بدأها الحسين الباني طيب الله ثراه لإيمانه بالاستثمار بالإنسان الأردني صاحب العقل المحترم والأصيل.
وكانت التوجيهات الملكية السامية في خطاب جلالة الملك واضحة –مع الاعتزاز الأكيد لما وصل إليه مستوى الجامعات والتعليم العالي- لتصبّ في بوتقة فتح الباب على مصراعيه للتطوير واعتماد الجامعات كمراكز علمية وتكنولوجية وحاضنات للحوار واحترام الرأي الآخر ومنارات للاستثمار في الإنسان الأردني العارف والمبدع والواعي على سبيل خلق انطلاقة جديدة لجامعاتنا صوب المشاركة في مفاصل التنمية الوطنية الشاملة وصوب العالمية في جودة التعليم.
ولهذا فقد أكّد جلالته أن الشباب الجامعي هم المحرّك الرئيس للعملية التنموية، وهم وسيلة التنمية وغايتها، وما الاستثمار بهم تأهيلاً وتدريباً ومهارةً إلّا ولوج للتميز والإبداع، ومن هنا فإن الشباب يعوّل عليهم الكثير لغايات تحقيق التغيير الإيجابي المنشود من خلال مشاركتهم بالحياة العامة والسياسية للمشاركة في صنع القرار، وكلّ ذلك يصب في بوتقة عمل الجامعات لتهيئة الشباب للحياة العامة، لأن أهداف الجامعات يجب أن ترتكز إلى بناء المعرفة والشخصية والقيم الأخلاقية إضافة إلى كلاسيكية وثالوث التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع.
فالجامعات لها أدوار مجتمعية راقية لغايات تشكيل منظومة الأخلاق والقيم لدى الشباب والحفاظ عليها من الاندثار في هذا الزمن الصعب، إضافة لدورها في رفع جرعة الوعي الديمقراطي والثقافي والحياة المدنية والحوار واحترام الرأي الآخر وتعظيم العمل التطوعي والإبداعي المتميّز وتعزيز الهوية الوطنية الجامعة القائمة على مبدأ المواطنة والتي تشكّل جوامع التقاء لا مفاصل خلاف.
والجامعات يجب أن تكون حاضنات لانطلاقة المسيرة الإصلاحية في الوطن وأذرع قويمة لإحداث التغيير الذي ينشده جلالة الملك من حيث مشاركة الشباب في صنع القرار والانتخابات النيابية ونشرهم للوعي بين فئات المجتمع وإدارة الحوارات الوطنية والحزبية لغايات ابتكار برامجية مدروسة للرؤى الإصلاحية الشاملة في المناحي كافة.
والجامعات عليها دور كبير أيضاً في تغيير الثقافات المجتمعية السلبية كالواسطة والمحسوبية والشللية وثقافات التطاول والإقصاء والتقوقع والانكفاء والتطرّف والعنف الجامعي والمجتمعي وغيرها، لتؤسس لثقافات إيجابية أساسها الإنجاز والتنافسية والتميز والإبداع والعطاء والمشاركة والإصلاح والعدل والتسامح والاستحقاق بجدارة والكفاءة والمواطنة وغيرها.
ومحور تطوير جودة ونوعية التعليم جد مهم لأننا نريد أن ننأى بجامعاتنا عن تخريج الأفواج وأعدادها والربحية على حساب المستوى التعليمي، ولهذا فإن تطبيق معايير الجودة هي التي ستوصل جامعاتنا لمحطة العالمية‘ فتحسين جودة ونوعية التعليم العالي في المملكة هو واحد من المفاصل الرئيسة في مسيرة الاصلاح الوطنية التي يتبنّاها جلالته على سبيل تحقيق المواءمة بين مخرجات التعليم العالي من جهة واحتياجات سوق العمل من جهة أخرى وذلك من خلال خطة عمل وإستراتيجية عملية واضحة تنهض بواقع التعليم العالي في المملكة من جوانبه كافة.
ففي الجامعات الأردنية خيرة الخيرة من الأساتذة الأجلاء وخيرة الطلبة المبدعين بيد أن البيئة الأكاديمية والبحثية والإبداعية بحاجة لمزيد من العمل والبناء، كما ان جامعاتنا بحاجة لمزيد من تعزيز سياسة الابتعاث لطلبتنا الأوائل لتبقى على تواصل مع أحدث العلوم دون أن “تهرم” مبكراً.
والطرح هنا لتأطير التخصصات المطلوبة والمشبعة والراكدة لتنوير طلبتنا الجامعيين وتبصيرهم بالتخصصات ذات الجدوى في سوق العمل قبل اختيارهم للتخصص الجامعي والّا فانهم سينضمون لطوابير العاطلين عن العمل من خريجي الجامعات الذين ينوف عددهم السنوي من الجامعات الأردنية وحدها عن خمسة وأربعين ألفاً لا يتوظّف منهم سوى 6 الى 7 بالمئة سنوياً في تخصصات تعليمية وصحية مطلوبة.