د. رحيل محمد غرايبة
أغلب المشاريع العربية للوحدة بين الاقطار العربية لم تنجح، وآلت الى التدهور والانحلال، وانقلبت في معظمها الى قطيعة وعداوة وبغضاء وأصبحت غير قادرة على العودة الى العلاقات الطبيعية، وكأن القُطرية اصبحت تشكل قدراً مقدورا علينا، وفرضا محتوماً على الامة العربية، بل يمكن القول إنه يحظر على العرب الوصول الى صيغ وحدويّة، وأنهم يخضعون قهرا الى استراتيجية خارجية تفرض عليهم الخصومة البينية الدائمة، بل ما يمكن مشاهدته حاضرا وواقعا أنهم يتجهون الى مزيد من التقسيم ومزيد من الشرذمة وليس العكس، ولذلك فإن مشروع الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا لم يصمد الا فترة قصيرة، وكذلك مجلس التعاون العربي بين العراق والاردن ومصر واليمن لم يعمر طويلا ولم يستطع أن يتقدم خطوة واحدة الى الأمام، وقبلها فشل مشروع الوحدة بين الأقطار العربية الثلاثة مصر وليبيا والسودان، وفشل مشروع الوحدة بين مصر والسودان، وفشل مشروع الاتحاد المغاربي، كما فشل مشروع الوحدة بين سوريا والعراق على زمن الرئيسين : حافظ الاسد واحمد حسن البكر، كما ان مشروع الوحدة بين اليمن الجنوبي واليمن الشمالي أضحى مهدداً والعودة الى مزيد من التقسيم اصبح واردا، بل إن السودان الواحد انقسم مؤخراً الى شمالي وجنوبي، وأصبحت العراق مهددة بالتقسيم، وكذلك سوريا، وربما تكون المشاريع الفيدرالية ضمن القطر العربي الواحد تشكل أحد الخيارات المطروحة على طاولة البحث داخلياً وخارجياً. كان مجلس التعاون الخليجي الاستثناء العربي الوحيد الذي استطاع أن يصمد هذه الفترة الزمنية الطويلة، وكان يؤمل أن يشكل نموذجاً عربياً ناجحاً في تنسيق العلاقات البينية، والتدرج نحو إيجاد صيغ التكامل الأمني والعسكري والاقتصادي بما يخدم مصالح الشعوب العربية الخليجية، ويخفف العوائق أمام طموحها في حياة كريمة ومزدهرة، ولقد خطا هذا المجلس خطوات جيدة في هذا السياق، وكان هناك مقترح لدى الملك السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز بتطوير صيغة مجلس التعاون الخليجي الى صيغة اتحادية كاملة؛ عندما تم الاستشعار بالتهديدات الحقيقية للوجود الخليجي والعربي. ما حدث مؤخراً بعد زيارة الرئيس الأمريكي للسعودية والمنطقة من تسارع مثير في تدهور العلاقات بين دول مجلس التعاون مع أقطار عربية أيضاً، يثير الفزع والإحباط لدى المواطن العربي الذي أصبح غير قادر على متابعة الانهيارات المتلاحقة التي تصيب الجدار العربي، والاختراقات الكبيرة التي أصبحت تشكل تهديداً مريعاً للوضع العربي برمّته. المؤشر الذي يمكن ملاحظته في هذه الأزمة أن هذا التدهور المثير جاء عقب زيارة الرئيس الأمريكي؛ ما يدل على أن الزيارة تعد ترجمة لبعض خطوط السياسة الأمريكية الجديدة للمنطقة، والتي يمكن كشف ملامحها من خلال إدخال المنطقة في عملية التمحور التي تهيئ لإذكاء جذوة الصراع في المنطقة وزيادة حدّته، من أجل زيادة وتيرة التسلّح بين الاقطار، حيث تم التوافق على أن العدو الأول الذي ينبغي مواجهته هو الإرهاب، والعدو الثاني هو إيران، التي باتت قواتها وميليشياتها المسلحة تسيطر على مساحات واسعة في العراق وسوريا ولبنان، بالإضافة الى تدخلها في اليمن وفي بعض الاقطار العربية الاخرى، وسوف يتم كبح أي صوت يخالف هذه الخارطة الصراعية الجديدة. بقيت الملاحظة الخطيرة التي تتعلق بمحاربة الإرهاب، وحول التوسع في اطلاق وصف «الارهاب» وتصنيف بعض الحركات السياسية الكبيرة ضمن قائمة الارهاب المعتمدة دوليا، وقد رأينا أن بعض الدول العربية تصر على أن هذا الوصف ينطبق على جماعة الإخوان المسلمين، وأنها بحسب وصف بعض الدوائر الغربية والعربية تشكل العباءة التي خرج من داخلها أغلب الحركات الإسلامية المتطرفة، وتعد هذه المسألة ليست محلاً للاتفاق، وهي تخضع للتجاذبات السياسية والتنافس على السلطة ليس اكثر، والدولة القطرية ترى أن وصف الجماعة بالإرهاب يفتقر الى الدليل ويفتقر الى العلمية والموضوعية، وهذا ما ينطبق على حماس أيضاً بوصفها حركة تحرر فلسطينية تقاوم الاحتلال، مما يدل بوضوح على التشابك المعقد مع «الموضوع الإسرائيلي»، ويكشف المحاولات الضاغطة باتجاه ادماج» اسرائيل» في الحرب ضد الارهاب، وكذلك ضد العدو الجديد . المطلوب من العرب ومن دول مجلس التعاون أن تذهب الى طاولة الحوار وأن تشرع بحل الأزمة عن طريق التواصل المباشر، والمطلوب من بعض الأقطار المحايدة أن تشرع بمحاولات إصلاح ذات البين بطريقة هادئة ومتّزنة بعيداً عن الحرب الإعلامية، وحرب القنوات الفضائية . ويبقى الموضوع الأكثر أهمية المتعلق بإنجاز المشروع السياسي العربي الواحد الذي يشخص المصلحة العربية في مواجهة المصالح والمشاريع الإقليمية والدولية التي تسعى جاهدة لتمزيق الصف العربي وإدخاله عنوة في صراع المحاور الذي سوف يرتد سلبياً على الوضع العربي برمته، وسوف يزيد من حالة الشرذمة العربية التي من شأنها إضعاف الصف العربي وعدم قدرته على مواجهة التدخلات الأجنبية.