أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية المقالات أين الاختلاف وما هو الفرق؟

أين الاختلاف وما هو الفرق؟

17-05-2017 02:53 PM


د. رحيل محمد غرايبه

انطلقت شرارة فتح (حركة التحرير الفلسطيني) عام 1965 من أجل رفع راية الكفاح المسلح على طريق تحرير فلسطين المحتلة عام (48)، قبل هزيمة (1967) بسنتين، والتف حولها الشعب الفلسطيني والعرب بأغلبيتهم بعد التأكد من فشل النظام الرسمي العربي، فوجدنا بعد مرور بضع سنوات أن الشعارات المرفوعة أصبحت تتجه نحو لغة التنازل التدريجي بالاقتصار على ذكر الأرض الفلسطينية التي تم احتلالها عام (1967) ، وغدت اللغة السياسية المتداولة على ألسنة المنظمات الفلسطينية وألسنة العرب جميعاً (242)، والمطالبة بحدود عام (1967)، وكانت هذه اللغة في ذلك الوقت تعد خيانة عظمى لأنها تمثل اعترافاً بالاحتلال واعترافا بدولة الاحتلال، وقد سقط بعض الشخصيات الفلسطينية اغتيالاً من إخوانهم في النضال والسلاح، مثل "السرطاوي" الذي تجرأ بوقت مبكر على القول بضرورة الرضى بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران، أو على أي شبر فلسطيني محرر منها، وعندما أقدم قادة المنظمة على الرضا بهذا المنطق، قامت قيامة المناضلين الآخرين، وجرى جدال عربي وفلسطيني واسع وعميق يتهم هذا التنازل، وكان منطق المتهمين يستند على تاريخ انطلاقة فتح الذي سبق احتلال أرض 1967.
حيث بات معلوماً أن مجرد الرضى بالخطوة الأولى سوف يكون عبوراً لنفق مظلم من التنازلات التي لا تنتهي، لأن الاستراتيجية "الاسرائيلية" التفاوضية تقوم على انتزاع التنازلات بشكل تدريجي مستخدمة فلسفة الاستثمار في الوقت بطريقة ناجحة.
تجربة فتح ومنظمة التحرير واضحة وجلية في هذا المسار وليست بحاجة إلى مزيد من الشرح، حيث أن مجموعة الدول الكبرى التي رعت نشأة الكيان المحتل وتأمين الاعتراف الدولي به، هي نفسها التي تشرف على إدارة العملية السياسية برمتها ابتداءً وانتهاءً، وتساند الكيان الصهيوني في عملية التفاوض الجارية مع الأطراف العربية، وقد وضعت مجموعة من المبادىء التي لا يمكن القفز عنها، تتمثل بالاعتراف بدولة اسرائيل اعترافاً صريحاً واضحاً لا لبس فيه ولا غموض ولا التفاف ولا دوران، وبعد ذلك التعهد بنبذ العنف والكفاح المسلح وتسليم السلاح وحل كل المنظمات المسلحة وتحويلها إلى مجموعات سياسية مجردة، والتنازل عن حق العودة وطرح مبدأ التعويض والبيع بأثمان معروفة تدفعها أطراف عربية وطرح مبدأ التعاون على توطين من يتخلى عنها، ومن ثم الذهاب إلى المفاوضات المباشرة.
التجربة تقول أن المنظمة خاضت هذه التجربة تحت الضغوط السياسية من جميع الأطراف الصديقة على الصعيد العربي وعلى الصعيد العالمي، من أجل تحصيل الاعتراف الدولي بالمنظمة وقدمت كل ما طلب منها، وتم توقيع اتفاقية "أوسلو" بناءً على ذلك، وتم توقيع مجموعة من الاتفاقيات الأخرى تباعاً، ومن ثم أنشئت السلطة في رام الله ، لكن في الوقت نفسه ما زال الاحتلال جاثماً على أرض فلسطين كلها، ورفض رابين آنذاك كلمة الانسحاب وقال ليس هناك انسحاب، بل هناك إعادة انتشار لقوات (جيش الدفاع الاسرائيلي)، وأعطت اسرائيل لنفسها حق السيادة وحق الدخول والخروج والاعتقال والمداهمة والقتل وفرض حظر التجوال والإغلاق، وتم تقسيم الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى (أ، ب، ج،...) ولكل قسم أحكام خاصة تتعلق بشؤون الإدارة المحلية المجزوءة، وما زالت " اسرائيل" تمارس مصادرة الأرض الفلسطينية وتقيم المستوطنات الجديدة وتتوسع في القديمة، وأصبح عدد اليهود المستوطنين في الضفة الغربية يقارب (المليون) الاّ قليل، وأقامت الجدار العازل، وقسمّت الضفة الغربية إلى مجموعة من المناطق المنعزلة والمفككة، وتمارس سياسة اقتلاع و تشريد وتضييق ممنهجة، وأضافت شروطاً جديدة إلى ما سبق ومنها : يهودية الدولة.
المطلوب من الفلسطينيين والعرب جميعاً هو تقويم هذه التجربة المريرة، وليس تكرارها في المفاوضات والعمل السياسي حذو القذة بالقذة، والمطلوب بشكل أكثر وضوحاً وأكثر صراحة، عدم تكرار التجارب الفاشلة، وعدم استنزاف مزيد من الوقت ومزيد من الدم ومزيد من الجهد للعودة إلى المسار نفسه بالطريقة نفسها تحت ضغوط المقربين والأبعدين.
المطلوب أن تكون السياسة في خدمة المقاومة المشروعة وليس العكس، والمطلوب توحيد الشعب الفلسطيني أرضاً وشعباً وقيادة وبرنامجاً، والمطلوب عدم الذهاب إلى النضال البديل، وعدم البحث عن عدو بديل ولا عن وطن بديل، فالعدو معروف والطريقة في مقاومته معروفة، ولا يحتاج الفلسطينيون إلى تكرار محاولة سياسية معروفة النتائج ومرسومة المآلات مسبقاً، وهناك تجارب ناجحة في تاريخنا العربي والإسلامي، وهناك تجارب عالمية عديدة تكللت بالنجاح قديماً وحديثاً، ولذلك يبدو أن الفرق بين تجربتي فتح وحماس يكاد ينحصر في الوقت والمدة التي تستغرقها كل منهما في عملية الوصول إلى الاعتراف الصريح، حيث أنه من البديهي أن إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران لن يكون دون مفاوضة مباشرة ودون اعتراف وتعهدات وضمانات وشروط والتزامات، لأن دخول الحمّام ليس كالخروج منه كما يقول العامة.





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :