يقترح بعض المربّين بتجيير برامج تربوية جاهزة بمدارسنا تنمي مهارات التواصل بين الطلاب بعيدا عن لغة العنف التي بدت ملحوظة في بعض المدارس، برامج تربوية، إعادة الميّالين منهم للعنف لحظيرة التفاهم والإخاء، مطالبين وزارة التربية والتعليم بتضمين هكذا برامج مجرّبَة ومضمونة لحماية كل من يوشك الوقوع بدوامة العنف! بالمقابل يطالب آخرون بتقليص الواجبات المدرسية إو إلغائها تماما لمد الطلبة باوقات فراغ يستغلّونها لممارسة هواياتهم البنّاءة، والتي من شأنها ان تطلق إبداعاتهم نحو فضاءات اكثر رحابة، عبر إطلاق عنان التفكير المبدع الخلاق بعيدا عن حشو الدماغ بمعلومات متزاحمة تغلق بوابات التفكير، معرقلة سبل التدبير نتيجة ضغوطات الواجبات الخانقة مانعة خروج أيّة فكرة تتأهب للإنطلاق.. ومع احترامنا الشديد لخبرات المربين بمجالاتهم المتعددة، إلا اننا لا نتفق مع هكذا طرح معمول به ببلد كفنلندا، التي تم اختيارها كأفضل نظام تعليمي نموذجي، لما حققه من نجاحات على مقياس سلم التنافسية.. صحيح ان فنلندا ألغت نظام «الفروض المدرسية» في مدارسها فيعود الطالب الفنلندي للبيت خفيفا فرحا يقفز مرحا، لأنه غير محمَّل بعبء الواجبات المدرسية التي ينبغي تحضيرها بالبيت ملقية عبئا أكبرعلى الطلاب من جهة والوالديْن وبخاصة «الأم « من جهة أخرى فهي المسؤولة عن تدريس أبنائها فنكاد نسمع صراخها يخترق جدران المنزل ببلادنا محاولة تدريس ابنائها بينما يتسنى للطالب الفنلندي ان يطلق الطاقات الإبداعية الحبيسة من عقالها.. ترى.. لوعاد الابناء العرب لمنازلهم، بدون اية فروض مدرسية يحضّرونها ببيوتهم.. ما هو البديل؟ وكيف سيقضون جلّ وقتهم؟ حتما سيبلشون بكل ما لا يجدي ولا يفيد لغياب الهوايات وممارستها عن افق حياتهم.. وهذا ليس بالافتراء.. فما يحدث من عنف متزايد بالمدارس لهو دليل على وجود مشكلة تربوية بيتية تعزز التنمّر منمية النمْردة، ضاربة بمفهوم الأدب والتهذيب بعرض الحائط ليصبح هذان المفهومان بمثابة وصمة عار يحاول البعض وأدهما عبر تربية تحارب اللطف والتسامح.. ويقرع المربون ناقوس الخطر محذرين من مغبة استفحال ظاهرة العنف والتعنيف نتيجة أسلوب اللاتربية واللامرَبّين! ففنلندا عندما ألغت الفروض المدرسية كانت قد عزّزت تربيتها وتعليمها مسبقا باستخدام أدوات عدة، حتى غدت اقوى دولة في التعليم بالعالم.. اما لماذا؟ للأسباب التالية: - فهي» تحترم التعليم كجزء من الهوية» حيث بنت فنلندا بالقرن التاسع عشر «هويتها القومية» على أسس الاستثمار بالتعليم منذ تحقيق استقلالها مجتهدة أكثر لتطوير التعليم! - من الصعب ان يصبح احدهم مدرّسا..كيف؟ يتم اختيار المدرسين الفنلنديين من الفئات الشغوفة بمهنة التدريس ومساعدة الآخر، إضافة للكفاءة العالية من الفئة الحاصلة على الماجستير، ومع ذلك يتم اختيار افضل 11% من هؤلاء المتميزين المتقدمين لوظيفة المدرّس.. - هنالك توجه معمول به ببلادهم، اعتمدته الولايات المتحدة الأمريكية «لا فصل بين الطلاب بالصف الواحد» فهو شعارهم، الذي انبثق عنه واقع تصعيد النظام التعليمي فيتلقى الطالب الضعيف عندهم العناية المركزة الحثيثة ما نسبته 30% من الطلاب الفنلنديين بالمرحلة الأساسية الأولى – التسع سنوات الإلزامية- يتلقون كل الاهتمام وتدريجيا يتم رأب الفجوة بينهم وبين المتفوقين.. بدلا من وصولهم للصفوف العليا اتوماتيكيا دون ان يفك الحرف، وذلك لغياب مساعدة من المعلم، فالطاسة ببعض مدارسنا ضايعة والبوصلة تايهة. - التعليم بفنلندا «يركز على العمق بالمضمون بدلا من زيادة المضمون والتعامل معه بسطحية». - يعمل المدرّسون بالصفوف اربع ساعات يوميا فقط، و20 ساعة اسبوعيا نصفها يقضيها المعلم بتحضير المنهاج وتقييم الطالب، فهم اصلا يعتمدون «ساعات عمل اقل».. تمد الطالب ب 75 دقيقة فسحة زمنية موزعة على اليوم المدرسي القصير الأمد من اصله قبل إلغاء الفروض المدرسية.. - ناهيك عن تطبيقهم الفعلي ل»شعار المساواة بين الطلاب «.. وهذه هي بمجموعها التوليفة الجمعية المتعددة الأطراف والتي أّدت الى احراز فنلندا اعلى الدرجات وليست نتيجة الغاء الفروض المدرسية التي نود القفز اليها دون تأسيس البنية التحتية المناسبة بعناصرها المذكورة اعلاه.. دعونا نتخيل فيما لو الغينا الفروض المدرسية عندنا ماذا سيحدث؟: كل مالا يحمد عقباه! سيتفرغ الطلاب اكثر للعنف والعدوانية ولهذا فمسألة تخفيض الفروض يأتي بمرحلة لاحقة متأخرة، بعد ان نكون قد عبّدنا درب التربية والتعليم بالعناصر اللازمة التي تفتقرها البنية التحتية التعليمية.. فياحبّذا البدء بمعالجة العنف بين الطلاب باستخدام برنامج تربوي معيّن من شأنه ان يجتث العنف من جذوره.. فيا تربية وتعليم، دعونا نحل مشكلة العنف بين طلابنا عبر هذه البرامج المتخصصة بدلا من تقنين الفروض المدرسية التي من شانها أن تزيد من نشاط «محراك الشرّ»ِ الذي ما فتئ يعبث بأجواء مدارسنا ومستقبل طلابنا! وكفى الله المؤمنين شر القتال! hashem.nadia@gmail>
تعليقات القراء
لا يوجد تعليقات
أكتب تعليقا
رد على :
الرد على تعليق
تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن
الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين
التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد
علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.