بقلم : عبدالله محمد القاق
"عقول نيّرة في أزمنة صعبة: دور وسائل الإعلام في بناء وتعزيز مجتمعات سلمية وعادلة وشاملة للجميع"، هذا هو شعار احتفال اليونسكو الرسمي لليوم العالمي لحريّة الصحافة لهذا العام والذي يوافق 3 مايو. وجدير بالذكر أن الفعاليّة ستنظّم في جاكرتا في إندونيسيا في الفترة بين 1 و 4 مايو. ويهدف برنامج المؤتمر الذي سيدوم لمدّة أربعة أيّام إلى زيادة الوعي بأهميّة الصحافة الحرّة والصادقة في تعزيز السلام والعدل ودعم وتعزيز فعاليّة المؤسسات وروح المساءلة وشموليّتها وذلك في ما يتوافق مع الهدف التنموي السادس عشر. وجدير بالذكر أنّ الحدث منظّم بالتعاون مع الحكومة الإندونيسيّة والمجلس الإندونيسي للصحافة. وقد افتتج محمد يوسف كالا، نائب رئيس الجمهورية الإندونيسية، الفعاليّة بتاريخ 3 مايو امس ، إلى جانب المديرة العامة لليونسكو، إيرينا بوكوفا. وسيتخلّل الاحتفال جلسة عامة حول موضوع الصحافة الجيّدة بوصفها مصلحة عامة من أجل مجتمعات سلمية وعادلة وشاملة، بالإضافة إلى ست جلسات موازية حول مواضيع متعلّقة بوسائل الإعلام والمعلومات بوصفها درعاً ضد خطاب الكراهية، والشمولية والمساواة بين الجنسين، والتطرّف العنيف. كما سيتم تخصيص جلسة خاصة لحريّة الصحافة جنوب شرق آسيا -واذا كانت القوانين والاعراف الدولية تحث على حماية وحرية الصحفيين لاداء واجبهم الانساني في نقل الصورة الحقيقية للاوضاع المختلفة في العالم خاصة جماليات الحياة... وضنك العيش والكوارث والحروب ومآسي واحوال المضطهدين في العالم... فان العامين الماضيين شهدا المزيد من سفك الدماء لممثلي الصحافة العربية والاجنبية في مناطق متعددة ومنها سورية والاراضي المحتلة والعراق وتونس وليبيا وبعض الدول الاوروبية بالرغم من ان هؤلاء الصحافيين يحملون علامات مميزة تؤكد دورهم في نقل الاحداث ومآسي وويلات الحروب في هذا العالم الكبير والمضطرب.
ان هذه الذكرى والتي كانت موضع نقاش وبحث لدى الخبراء وهي بعنوان “عفول نيرة في ازمنة صعبة ” ينبغي ان تجسد هذا الشعار ولنضع حدا للانتهاكات التي تقع على رجال الصحافة في هذه المرحلة خاصة وان اليوم العالمي لحرية الصحافة هو مخصص للدفاع عن حرية التعبير وعن سلامة الصحفيين في وسائل الاعلام المطبوعة والمذاعة والالكترونية والواضح “إن السياسة المتفشية حول العالم وبصفة خاصة في المنطقة العربية، لإفلات الجناة في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين من العقاب، تؤشر إلى ظاهرة بالغة الخطورة وهي تواطؤ السلطات المعنية وتورطها في إضفاء حصانة غير معلنة على مرتكبي هذه الجرائم، مشاركة منها في استهداف الصحفيين بغرض التعتيم على ما يحاولون كشفه من مظاهر الفساد أو الجرائم المرتكبة في حق المواطنين ومنها ما يرقى إلى مرتبة الجرائم ضد الإنسانية.” والواقع أن “السعي بكل قوة في سبيل إنهاء سياسة الإفلات من العقاب هو ضرورة قصوى لأي مجتمع يطمح إلى استكمال بناء دولة ديموقراطية قائمة على أسس حماية الحريات والحقوق وسيادة القانون. فلا مجال لبناء مثل هذه الدولة في ظل غياب صحافة حرة ومستقلة، ولا يمكن للصحافة أن تكون حرة طالما كان ممارسوها من الصحفيين مهددون دائما وطالما كان قتلتهم ينعمون بالحصانة ضد العقاب”. ان هذا اليوم الذي ينبغي ان يكون مثار اعجاب وتقدير للصحفيين في انحاء العالم العربي لدورهم الكبير في نشر الاخبار الصريحة والواقعية والموضوعية حيال الاحداث نجد للاسف ان هناك شهداء للواجب والعمل وضحايا للاغتيالات الكثيرة من الصحفيين الذين ضاعت حقوقهم دون اية تحقيقات جادة للكشف عن الجناة الحقيقيين مرتكبي الجرائم في هذا الوطن العربي الكبير الذي ننشد له الامن والامان والاستقرار، إذْ تنعم صحافتنا بحرية وديمقراطية ونزاهة وضمان لحرية الرأي والتعبير.
ففي هذا اليوم تظهر فيه الحاجة الى ضرورة اتخاذ الاجراءات الضرورية لترسيخ حقوق الصحفيين في الاضطلاع بعملهم الحيوي وكسر حلقة الافلات من المسؤولية والعقاب على الجرائم المرتكبة ضدهم.. إذْ بلغ وفقا لاحصاءات منظمة اليونسكو عدد القتلى من الصحفيين خلال السنوات الماضية حوالي 700 صحفي منهم ما لا يقل عن 120 صحفيا في السنة الماضية وحدها فضلا عن احتجاز حوالي 150 صحفيا في العام ا لماضي واذا الامر يتطلب كما قال الامين العام للامم المتحدة بهذه المناسبة “ان حرية الصحافة لا تحدث تلقائيا ولكنها تتطلب انشاء بيئة آمنة للحوار على ان تشمل وسائل الاعلام التقليدية وكذلك الوسائل الرقمية إذْ يواجه المدونون والصحفيون ومنتجو وسائل الاعلام الاجتماعية تزايدا في التهديدات الموجهة اليهم وعلى حياتهم.
ان مثل هذه الاعتداءات التي تحد من عمل الصحفيين بل تعيقها في اكثر الاحيان خاصة اثناء الكوارث والحروب تهدد سلامة الصحفيين ومصادرهم في الصحف او على الانترنت بل انها تقوض قدرة جميع الناس على الاستفادة من “الإنترنت” المجاني والمفتوح.
الامل كبير في ان يكون العام المقبل اكثر امانا للصحافيين وان يشهد تطورا ونهوضا بحرية وسائل الاعلام على ان يساعد ذلك المجتمع العربي والشباب في احداث تغييرات اجتماعية وسياسية كبيرة بأنْ تقوم وسائل الاعلام على حق كل فرد في حرية الرأي والتعبير عن افكاره علنا وهو حق يشمل التعبير عن كل جوانبه دون تدخل وبنفس الوقت دون تجريد للآخرين.
لقد اوضحت ثورات الربيع العربي التي شهدتها بضع دول شقيقة اهمية الاعلام وتكنولوجيا المعلومات في ان تلعب دورا ديناميكيا لتسليط الضَّوْء على هذه الاحداث بل ومكنت الشباب من المشاركة في حرية التعبير وعن تطلع مختلف المجتمعات الى حياة اكثر اشراقا وتقدما سواء في القضايا السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية بل واسهمت الصحافة في تعزيز شعور المواطنين في كل انحاء العالم بالهوية والانتماء؛ وهذا يؤكد بصورة لا تقبل الشك بان الفكرة التي يناصرها اليوم العالمي لحرية الصحافة منذ عشرين عاما ومفادها ان حرية وسائل الاعلام تشكل جزءا من مجموعة حقوق الانسانية الاساسية التي لن يألو الناس جهدا للنضال من اجلها ستظل المشعل الرئيس لانشاء صحافة مستقلة وقائمة على التعددية وحرية وصون نشاطاتها بغية تجسيد الديمقراطية الحقيقية وتحقيق التنمية الاقتصادية والحفاظ على الصحافة عبر بيئة آمنة وحماية الصحفيين في هذا العالم