معاذ أبو عنزة
عند النظر بدقة على المشهد العام للمجتمع من حولنا والذي نُعتبر نحن أحدَ مكوناته الأساسية والمهمة، نَجدُ وللأسفِ بأن العديد من المبادئ والقيم قد أُخترقت وأُنتُهِكت بشكلٍ أو بأخر تدريجياً حتى تلاشت قيم الأخلاق وتبعثرت شِيَمُ الكِرام عند العديد من أفراد المجتمع المحيط بنا، لنرى صورةً لم تُرسَم لنا في الصِغَر لنجد أنفسنا في مجتمعٍ ذي عادات وقيمٍ وسلوكيات مُغايرةٍ لما ترعرعنا عليه لنصطدم بجدار الواقع القاسي، لنجد بأن حبل الكذب طويل لا قصير وأن ليس لكل مُجتهدٍ نصيب وأن القيادة على الطرقات وبين الأزقة بعيدةً كل البعد عن الفن والأخلاق والذوق وأن هنالك أناسا يموتون جوعاً على عكس ما سمعنا منذ الصِّغَر المقولة المشهورة «ما حدا بموت من الجوع»، وأن العديد قد إستبدلوا الإلتزام بالإنفتاحِ المبالغِ به، واصفين إياه «أي الملتزم» بالمتعصبِ بدلاً من المحافظ، لنجد أيضاً أن الظفر قد خرج من اللحم وأن الدمَ أصبح ماءً عذباً على غرار المثل المتعارف عليه قولاً لا فعلاً «عمر الدم ما بصير مي»، حيث لم تعد مفاهيم الترابط الأُسري كما عهدناها سابقاً فكلٌ يغني على ليلاه ليكون شعار المرحلة «اللهم نفسي»، فما بين عقوق الوالدين والكذب والغش والخداع والنفاق ضاعت أواصر الترابط والتعاضد الإجتماعي والأسري لنجد أنفسنا في حيٍ لا يعرف الجار فيه كنية جاره على عكس ما نادى به رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أوصى بسابع جار.
زمنٌ أصبح الطيب به يوصف بالسذاجة والخبيث والمتكبر والمتملق الذي يضع قناعًا ليرمي آخر تِبعاً للمواقف والظروف ليمشيَّ مع التيار أياً كان ويركب موجة إستثمار الفرص ويؤمن بأن الغلبة للأكثر تملقاً كما يبدو بغض النظر عن المبدأ ليُشار له في المجتمع على أنه الذكي الذي عَلِمَ منذ اليوم الأول كيف تُدار الأمور ليصبح بذلك المثل والقدوة على حد وصفهم، ناهيك عن آخر صرعات وصيحات الموضة الرقمية ألا وهي المشاعر الإلكترونية المُصطنعة المتبادلة مؤخراً على مواقع التواصل الإجتماعي والتي تحمل في طياتها واقعا مغايرا كلياً للظاهر المراد إيصاله للعلن، فقد أصبح تطبيق الفيسبوك على سبيل المثال تطبيقاً للنفاق الإجتماعي ولمراقبة الأخرين والتدخل في شؤونهم الخاصة ليكون كما قلت مراراً وتكراراً مِنبر من لا منبر له من أصحاب الأجندة القذرة والجهلة الذين وصفهم النبي عليه الصلاة وأتم التسليم بالرويبضة ليتحدث المرء منهم بأمور العامة من سياسة وإقتصاد وعلم إجتماع وغيرها الكثير إلا أنه لا يَمُتُ لأيٍ مما سبق بأي صلة أو علمٍ أو إطِّلاع لا من قريبٍ ولا من بعيد بل على العكس ساهم مساهمةً ليس لها نظير في العمل على نشر كمٍ هائلٍ من المعلومات المغلوطة والعارية عن الصحة والتي أثرت سلباً وبشكل مباشر على المجتمع ناهيك عن الإستخدامات الخاطئة له والسلوكيات المقترنة به التي لم تُحقق الغاية التي وُجِدت من أجلها والتي هي في نفس الوقت لا تعد ولا تحصى وصولاً لبعض أصحاب الدولة والمعالي والعطوفة والسعادة الذين جمعوا الألقاب والمناصب وتنقلوا من موقعٍ لأخر في وقتٍ سابق ليُصبح شغلهم الشاغل إنتقاد قرارات وتوجهات الدولة السياسية والإقتصادية وغيرها، في حين قد نسيَّ البعض منهم إن لم يكن قد تناسى بأنه كان جزءا لا يتجزأ من القرار أو الإقتراح إن لم يكن صاحب الفكرة ليُصبحَ جلدُ الذات طبعاً يسري في شرايين حب المنصب والموقع لديهم وجزءا من شخصية الشخص الذي إعتاد الإصطياد بالماء العكر وإقتناص العثرات والهفوات والبحث عن الأخطاء والزلات.
فبعيداً عن إزدحام الطرقات وأزمة السير الخانقة التي نعاني منها صبح مساء نجد أن هنالك أزمة أشد قسوةً ونتائجها قد تكون كارثيةً على مجتمعنا وبيئتنا التي ترعرعنا بها ألا وهي أزمة أخلاقٍ تجوب الطرقات دون مراعاة قوانين التربية والإرث الإجتماعي الذي إعتدنا ونشأنا عليه، ضاربةً قواعد الإحترام ومكارم الأخلاق وفنون التعامل واللباقة والكياسة عرض الحائط، رافضةً الإنصياع لصوت العقل والحكمة والخبرة الممزوج بالخُلق والدين، إلا أننا مازلنا نرى خلف كل ما سبق بصيص أملٍ قادم لعل وعسى بأن يكون القادم أجمل بحثاً عن مستقبلٍٍ مشرق رافعين شعار «تفاءلوا بالخير تجدوه».